الاثنين، 6 يناير 2014

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خير الورى وسيد ولد آدم محمد بن عبد الله النبي الأمي الذي أرسله ربه رحمة للعالمين صلي الله عليه وسلم ،،،

في سبيل تأسيس علم الاستغراب

مصر 25 يناير عام 2011 م : من منظور الاستشراق الصهيوني
عرض وتحليل بحث : إسرائيل والعالم العربي : قوة الشعب:أنات كورتز ، وشلومو بروم(1) 
إعداد :
أ.د/ حسن حسن كامل إبراهيم
كلية التربية – قسم الثقافة الإسلامية – جامعة الملك سعود – المملكة العربية السعودية / كلية البنات – قسم الفلسفة - جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية .
علي سبيل التقديم :  
    التبشير ، والاستعمار ، والاستشراق ، مثلث الرعب أو الطواغيت الثلاثة القديمة الجديدة الأكثر تهديدا للمسلمين والعرب سواء في العالم العربي أو في العالم أجمع . وفيما يتعلق بالاستشراق فهو عملية أيديولوجية قام بها نفر من الأيديولوجيين الغربيين منذ نحو قرنيين من الزمان ولن تزال مستمرة إلي أن يشاء الله سبحانه وتعالي . والمدارس الاستشراقية : الفرنسية ، والإنجليزية ، والألمانية ،،، و أخيرا المدرسة الاستشراقية الأمريكية كلها تهف للنيل من الإسلام والمسلمين والعرب ويبدو ذلك واضحا وضوح الشمس منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1987 م عندما أعلنت الصهيوأمريكية العالمية عن البحث عن عدو جديد ، فمنذ ذلك التاريخ استبدلت الصهيوأمريكية العالمية العدو الأحمر -الاتحاد السوفيتي – بالعدو الأخضر وهو الإسلام والمسلمين والعرب . ومن هذا المنطلق كان غزو الصهيوأمريكية العالمية لأفغانستان عام 2001 م ثم احتلال العراق عام 2003م . ومازالت الصهيوأمريكية العالمية تستخدم نفس الأدوات التي فككت بها الاتحاد السوفيتي تستخدمها في تقسم المقسم وتجزيء المجزأ في العالمين الإسلامي والعربي . وهذه الأدوات تتمحور حول علم الأيديولوجي ، فالأيديولوجيون الصهيوأمركيون لم يعدوا يستخدمون فكرهم في خير بلدانهم وخير الإنسانية بل يستخدمون أفكارهم في إفساد وتدمير الآخر أيا كان هذا الآخر . وكما صرح الرئيس جورج بوش الابن عام 2001 م بعد انفجار برجي التجارة العالمية "...من ليس معنا فهو ضدنا..." بعبارة أخري من لن يكن عبدا للصهيوأمريكية العالمية فهو الذي سيعرض نفسه للاستعمار والغزو والتدمير والهلاك . ولما وجدت الإدارة الصهيوأمريكية الفشل العسكري المريع الذي حدث لها في أفغانستان والعراق استبدلوا إستراتيجيتهم  بالنسبة للعالمين الإسلامي والعربي من الاحتلال العسكري إلي الاحتلال المدني ، واخترعوا معركة شيطانية قديمة جديدة وهي ما أطلقوا عليه "حرب الجيل الرابع" أقصد حرب الأفكار أو حرب العقول . ففي هذه الحرب ينزل الأيديولوجيون الصهيوأمريكيون إلي أرض المعركة بدلا من جنود المارينز ، ويخوضون الحرب من خلال وكلاء لهم أو قل عملاء أو ذيول ، وهو ما نطلق عليه "ذيول الاستشراق" . وحدث ذلك ولن يزال يحدث تحت مسمي " منظمات المجتمع المدني" التي تنادي بالحرية ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات الزائفة التي تهدف في حقيقة الأمر إلي هدم الدول المارقة – من وجهة نظر الصهيوأمريكية العالمية - من الداخل وتحويلها إلي دول فاشلة .
     ويوجد في أمريكا والكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية أكثر من 1000 مركز علمي تحت العديد من المسميات أبرزها "مركز ... لدراسات الشرق الأوسط ..." ، وتعمل هذه المراكز ليل نهار علي اختراع الوسائل والأدوات اللازمة والملائمة لهدم الدول المارقة أي الدول التي تأبي أن تدور في فلك الصهيوأمريكية العالمية ، ومن أبرز هذه المراكز العلمية "معهد ألبرت أينشتاين" في واشنطن الذي يشرف عليه اليهودي الصهيوني الأمريكي الجنسية "جين شارب".
     ولقد ظهرت مدرسة استشراقية جديدة إلي حيز الوجود تسمي " المدرسة الصهيونية للإستشراق " وهي تنسق مع المراكز المماثلة لها في أمريكا حتى أنك للوهلة الأولي تلاحظ التكامل الذي يوجد بينها فتقول أنها وإن كانت متباعدة جغرافيا إلا أنها لها نفس الهدف ، حتى أنك تعتقد أنها وحدة واحدة من المراكز أو أنها تنتمي إلي كيان واحد هو الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية .ويطلق البعض من الباحثين العرب والمسلمين علي هذا  الاستشراق الجديد مسمي "الاستشراق الإسرائيلي " وبعضهم يسميه " الاستشراق اليهودي " ، وبعضهم يطلق علي الباحثين الذين يمارسونه " المستشرقون الجدد" . ولكنني – من وجهة نطري المتواضعة – أري أن نطلق عليه "الاستشراق الصهيوني أو الصهيوأمريكي" . وكما اختلف الباحثون حول التسمية فإنهم  اختلفوا أيضا حول البدايات الأولي لهذا الاستشراق الصهيوني ، والذي يمكن رده إلي البدايات الأولي لظهور الإسلام .  (2)
ولقد عدد الباحثون الأسباب التي تكمن وراء تأسيس هذه المدرسة الاستشراقية الصهيونية : من إضعاف الشخصية واللغة العربية ، وتشويه الإسلام ، ودراسة الموقف العربي من الكيان الصهيوني ،،، الخ . (3) ولكن من بين هذه الأسباب المتعددة والمتنوعة أن الشخصية الصهيونية بطبيعتها شخصية عدوانية ، وتعد الحرب بالنسبة لها جزء لا يتجزأ من عقيدتها . وإذا نظرنا إلي مدرسة الاستشراق التي دشنتها الصهيونية في فلسطين المحتلة – من هذا المنطلق – سنلاحظ أن الاستشراق الصهيوني يدخل في إطار الحرب العدوانية علي كل ما هو إسلامي وعربي . يقول د. الشامي : " إن من يدرس الأيديولوجية الصهيونية ، وتاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين ، ومراحل الصراع العربي الإسرائيلي حتى اليوم ، يمكنه أن يدرك للوهلة الأولي أن الحروب ، هي بمثابة أسطورة مغلقة تدخل في إطار البنية العامة للعقيدة الصهيونية ، شأنها شأن سائر الأساطير المغلقة التي يتعامل معها الفكر الصهيوني العيني ، مثل أسطورة أرض الميعاد ، والحق التاريخي في فلسطين ، والشعب المختار ، التي هي بمثابة أكاذيب مثل أسطورة شعب بلا أرض ، لأرض بلا شعب ... وهكذا أصبحت الحروب بمثابة تجسيد ومتنفس حتمي وضروري للروح العدوانية لدي الشخصية اليهودية الإسرائيلية ، مهما حاولت العقيدة الصهيونية أو الإمبريالية الإسرائيلية أن تلبسها من أردية الشرعية المختلفة ." (4)  ويعد د. الشامي - من هذا المنطلق - الحرب مسألة وجود بالنسبة للشخصية الصهيونية والعدو الأول فيها هو الإنسان العربي . (5) ويعتبر الاستشراق الصهيوني أحد الآليات المستخدمة في هذه الحرب ، وهنا الحرب لم تعد عسكرية بل "حرب عقول" أو كما يقال "حرب الأدمغة" التي تهدف إلي القضاء المبرم على العرب خاصة المصريين .
     وفي هذا البحث سيحاول الباحث أن يقوم بعملية استغراب أي قراءة أيديولوجية مضادة لبحث من بحوث الاستشراق الصهيوني ، لمعرفة موقف المستشرق الصهيوني تجاه العرب عامة والمصريين خاصة .
إن العثور علي بحوث ودراسات ومعلومات وإحصاءات عن الاستشراق الصهيوني مسألة عسيرة جدا جدا لأسباب عديدة لداعي للخوض فيها هنا ، في حين أنه من السهولة واليسر- علي نحو ما أعتقد-  على المستشرق الصهيوني الحصول على نفس الشيء .
     علي كل حال رزق المولي عز وجل الباحث ببحث "إسرائيل والعالم العربي : قوة الشعب : أنات كورتز ، وشلومو بروم " ولقد نشر الباحثان هذا البحث في عام 2011م بعد ظهور الاحتجاجات والمظاهرات في الميادين والشوارع العربية سيما المصرية ، وهو بحث يتعمق في ما يجري في العالم العربي من تغيرات بسبب ما جري في نهاية عام 2010 م وبداية عام 2011م ، ويركز البحث علي مسألة بعينها ، وهي "قوة الشعب" أعني بروز الشعب كرقم صعب في معادلة الصراع الفلسطيني الصهيوني .
مصر 25 يناير عام 2011 م : من منظور الاستشراق الصهيوني
عرض وتحليل لبحث : إسرائيل والعالم العربي : قوة الشعب : أنات كورتز ، وشلومو بروم

     أ ما جري ولن يزال يجري في بعض الدول العربية : سوريا ، وليبيا ، وتونس ، واليمن والبحرين ، ومصر خصوصا يؤثر على "الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية" ؟ . نعم ، وليس السبب الهبات الشعبية التي لن تزال مشتعلة في هذه البلدان العربية فحسب بل يرجع ذلك أيضا إلي أن شعوب هذه البلدان العربية أصبحت قوة هائلة في معادلة الصراع الفلسطيني الصهيوني . فهذه الشعوب بحركتها وسلطتها الطبيعية والجديدة التي انتزعتها من الأنظمة المستبدة والدكتاتورية لن تزال تؤثر تأثيرا بالغا على المستوي الآني والاستراتيجي على العدو الصهيوني المحتل لفلسطين العربية . يقول "كورتز" : " من شأن العاصفة التي هبت علي العالم العربي في مطلع سنة 2011 أن تحدث تغييرات كبيرة في مكانة إسرائيل الإستراتيجية في الشرق الأوسط ، وفي علاقاتها مع العالم العربي . " (6) ذلك أمر لا شك فيه فالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية يعيش في هذه المنطقة الحيوية من العالم ومن المنطقي أن يتأثر بما يجري حوله من أحداث وخاصة أن أغلبها تحدث في دول الطوق أو الجوار الصهيوني . نعم ، إن سقوط بعض الأنظمة العربية " سيؤدي إلى خلق علاقات جديدة ستلقي بظلالها على العلاقات الدولية لهذه البلدان مع دول أخرى في المجال الإقليمي أو الدول الغربية . فدول الربيع العربي كانت لها علاقات خاصة مع الغرب خاصة الولايات المتحدة ، إضافة إلى علاقة كل من مصر وتونس بإسرائيل ، فمصر كانت لها علاقات دبلوماسية ودية مع تل أبيب بسبب اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في مارس 1979م ، كما أن تونس أيضاً قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية على مستوى فتح مكاتب اتصال بين البلدين . ووفقاً لهذه التغيرات التي أحدثتها ثورات الربيع العربي على المستوى الداخلي ، سوف يكون هنالك تغيير للعلاقات الدولية التي تربط دول الربيع العربي ، وبالتالي يكون هنالك سياسات خارجية جديدة تتماشي وتتوافق مع المصلحة الوطنية . " (7)
وإذا أرد الأيديولوجيون والمستشرقون الصهاينة أن يعرفوا الآثار الإستراتيجية التي تقع على عاتق الكيان الصهيوني جراء ما يجري في العالم العربي ، فعليهم من وجهة نظر "كورتز" -  أن يقفوا على حال العالم العربي قبل وبعد ما جري ويجري فيه الآن . فيشير "كورتز" إلي أن العالم العربي كان قبل ما جري، يسوده محوران سياسيان إستراتيجيان : المحور الأول : محور إيران ، ومن يدور في فلكها : سوريه ، وحزب الله ، وحركة حماس . ويطلق على هذا المحور : محور المقاومة أو الممانعة . ويقف في الجهة المقابلة محور آخر بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية ، ويطلق على هذا المحور : محور الاعتدال . (8) هكذا يصنف التفكير السياسي والاستراتيجي الصهيوني العالم العربي سياسيا وإستراتيجيا ، وهذا يعني أن المحور الأول هو من يقاوم وحده الصهيوأمريكية العالمية ، وأن المحور الثاني لا يقاوم وهذا ليس له نصيب من الصحة والواقع . فمصر خاضت حروب مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية . كذلك هذا التصنيف تصنيف طائفي ومذهبي يعمل علي نشر روح الطائفية والمذهبية والفتن بين العرب والمسلمين ، والرابح الأكبر – بالطبع -  في ذلك هو الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية . والأيديولوجيون والمستشرقون الصهاينة بارعين في إذكاء وترسيخ هذه المحن والكوارث بين العرب ، الذين لم يتحركوا حتى الآن لمواجهة هذا التخطيط الشيطاني ، فلم نسمع حتى الآن عن مصنع للأدمغة - ظهر إلي حيز الوجود في احدي البلدان العربية خاصة مصر - اشتبك في معركة صراع الأدمغة مع مصانع الأدمغة التي تدير هذا الصراع من أراضي أمريكا ومن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية .
     ويزعم "كورتز" أن مصر والمملكة العربية السعودية سيعتريهم التمزق والتحلل والفساد وستنهار هذه الدول جراء الأحداث الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية . يقول : " أما المحور الثاني فهو الذي يشمل الدول المسماة "معتدلة" ، بزعامة مصر والسعودية ، والذي هناك شك ، بعد الربيع العربي ، في قدرته علي البقاء في صورته الحالية . " (9) هذا المخطط له بفعل الصهيوأمريكية العالمية من خلال نشر الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كونديلزا رايس في العام 2005 م ، والتي تهدف إلي استحداث شرق أوسط جديد أو كبير . وهو نفس ما روج له شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية في كتابه المعنون بـ " الشرق الأوسط الجديد " الذي نشر عام 1998 م وغيرهم من السياسيين والاستراتيجيين الصهيوأمريكيين .
     ويشير "كورتز"  إلي الهدف الإستراتيجي  للصهيوأمريكية العالمية في المنطقة ، والذي أصبح مهددا بعد ما جري ويجري في المنطقة بقوله : " لقد قامت سياسة إسرائيل على المحافظة علي اتفاقيات السلام الموقعة مع بعض دول المحور المعتدل وتعزيزها ، وعلي إقامة علاقات وتعاون استراتيجي مع دول أخرى من هذا المحور . وكان من المفترض أن يركز هذا التعاون على إضعاف محور الممانعة وتحييده ، وخصوصا إيران ، باعتبارها تشكل التهديد الأكبر لإسرائيل بسبب برنامجها النووي . لكن ظهر بوضوح في سنة 2010 ، وعلى نحو ما في الأعوام السابقة ، أن هذه الصورة تبسيطية للغاية . " (10) ليس من المعقول أن الإستراتيجية الصهيونية قصيرة الأمد كما يزعم "كورتز" بل هي بالطبع إستراتيجية متعددة المراحل . وليس من المقبول أن الصهيوأمريكية العالمية لا تعلم بما جري ويجري ، ولذلك سيجرون تغيرات آنية ومستقبلية علي إستراتيجيتهم في المنطقة . إن بعض الباحثين والمحللين يؤكدون - بما لا يدع مجالا للشك - أن ما جري ولن يزال يجرب في هذه البلدان العربية معد له في واشنطن والكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية من بضع سنين . (11)
     يشير "كورتز" إلي ما اعتري المنطقة من تغيرات في التحالفات وانخراط لاعبين جدد في المنطقة كتركيا ، وما اعتري الموقف السوري من تغيرات علي الأرض . وينوه كذلك إلي الدور الذي تريد أن تلعبه دويلة صغيرة تسمي "قطر" في المنطقة مقابل دولة كبيرة مثل تركيا . يقول عن هذه الدويلة : "  وهناك أيضا لاعب ، أصغر بكثير ، انتهج سياسة مماثلة- يقصد مماثلة لسياسة تركيا - ، وهو إمارة قطر التي حاولت أداء دور أكبر من حجمها ، أي دور الوسيط بين المحورين ، علي اعتبار أنها لا تنتمي إلي أي منهما . وفي هذا الإطار ، استخدمت بفاعلية قناة "الجزيرة" التابعة لها ، فدعمت لاعبين من معسكر المقاومة ، مع المحافظة على علاقاتها الطبيعية مع دول معسكر الاعتدال . ووجدت قطر في الأعوام الأخيرة صعوبة في مواصلة هذه السياسة بنجاح ، لأنها أدت إلي مواجهات حادة مع دول رئيسية في معسكر الاعتدال ، كمصر والسعودية ، غير المستعدتين لقبول ادعاءات السياسة القطرية ، أو ما اعتبرتاه وقاحة في هذه السياسة . " (12) لكن "كورتز" تناسي ذكر أن هذه الدويلة "قطر" يوجد فيها أكبر قاعدة صهيوأمريكية في المنطقة ، وتناسي أيضا أن يؤشر علي العلاقات الحميمة بين الأسرة الحاكمة في قطر والكيان الصهيوني المحتل لأرضنا العربية ، أقصد أن دويلة "قطر" ليست إلا دمية صغيرة في أيدي الصهيوأمريكية العالمية وأنها تأتمر بأوامرها .
يهتم الباحث هنا بعلاقة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية بالعالم العربي بعد ما جري ولن يزال يجري ، ويطرح أسباب هذه الهبات العربية ، تلك الهبات التي أدت إلي بروز دور الشعب في هذه البلدان ، وأنه أصبح المحرك الرئيس للحكومات في هذه البلدان . يقول : " أعاد "الربيع العربي" طرح إشكالية العلاقة بين إسرائيل والعالم العربي لأنه قلص الثغرة التي كانت تفصل بين مواقف الأنظمة العربية وبين مواقف الشارع العربي . وبرزت في إسرائيل أصوات تقول إن يقظة الشارع العربي تشكل خطرا علي الأنظمة الموجودة في الدول العربية ، ولا علاقة لها بالصراع الإسرائيلي – العربي ، وهي تعود إلي مشكلات داخلية للأنظمة والمجتمعات العربية . وعلي الرغم من صحة هذا الإدعاء من حيث المبدأ ، فإنه يتجاهل الطابع الذي ميز الاحتجاجات في العالم العربي ، إذ كانت هذه التحركات موجهة في الأساس ضد الطابع الإستبدادي للأنظمة العربية التي أهملت مصلحة الشعب لمصلحة خدمة مصالح نخبة صغيرة فاسدة . وبهذه الطريقة لم تكن هناك صلة بين الشعب وبين حكوماته ، كما لم تكن لدي الشعب القدرة علي التأثير في قرارات هذه الحكومات في الموضوعات المهمة ، مثل موضوع انتقال السلطة (توريث السلطة في مصر لجمال مبارك) ، ولا في الموضوعات الاجتماعية – الاقتصادية ، وتوزيع موارد الدولة ، والسياسة الخارجية ، والعلاقة مع إسرائيل . " (13) هذه الأسباب وغيرها بالفعل كلن لها دور في خروج الجماهير إلي الميادين والشوارع ، لكن قولنا أن قوة الشعب هي المحرك الأساسي للحكومات ليس له علاقة بالصراع الفلسطيني الصهيوني فهذا لغو باطل وتمويه ممجوج لأن الشعوب العربية خاصة المصري منها مازالوا يدركون أن السبب الرئيس لحالة التردي الحضاري التي يعيشون فيها هذا الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية ، فهذا الكيان يسخر كثيرا من امكانياته الشيطانية ليس لإضعاف الدول العربية خاصة مصر فحسب بل للقضاء عليها جميعا لتحقيق حلم الدولة الصهيونية الكبري من النيل إلي الفرات . إن الشعب المصري – مثلا - أصبح – فعلا - المعلم والموجه ليساسات إدارة الدولة المصرية علي كافة المستويات داخليا وخارجيا . وأصبح من الضروري أن تأخذ الدولة المصرية في تحركاتها كافة نبض الشارع المصري في بؤرة اهتماماتها . وهذا ما يؤكد عليه  "كورتز" مخالفا في ذلك وجهة النظر الأخرى من قبل بعض الايديولوجيين والاستراتيجيين الصهاينة التي تزعم غير ذلك . يقول : " وفي ضوء صور التظاهرات المضادة لإسرائيل التي شهدتها الدول العربية في ذكري يوم النكبة في 15 أيار / مايو 2011 ، من الصعب الاستمرار في ادعاء عدم وجود صلة بين الاحتجاجات في الدول العربية وبين النزاع العربي – الإسرائيلي . فالجمهور الذي تظاهر ضد إسرائيل هو نفسه الجمهور الذي يطالب بالتغيير . " (14) إن تغيب الأنظمة العربية المستبدة والدكتاتورية للشعوب العربية وتهميشها وإغراقها في الجهل والجوع والمرض كان مدبرا ومخططا له من قبل الصهيوأمريكية العالمية ، والأنظمة العربية لم تكن سوي أدوات في يدها تنفذ املائتها . أما منذ نهاية 2010 م وبداية 2011 م يمكننا الجزم أن الجماهير العربية أضحت تمثل خطرا كبيرا جدا على الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية ، و من الآن فصاعدا لن تجرؤ الصهيوأمريكية العالمية على فعل أي شيء تجاه مصر – مثلا – لأنها أجبن وأضعف من أن تدخل في مواجهة مع الشعب المصري . ويبدو ذلك بوضوح وجلاء في الحالة المصرية – علي نحو ما يذكر الكاتب – ففي مسألة تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية نشاهد تصريحات معادية في مصر تجاه هذا الكيان بل تحركات شعبية مناهضة لهذه الصفقة المشبوهة .
     إن الشغل الشاغل للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية هو اتفاقية السلام الموقعة مع مصر ، والجدل الكثبر مازال مستمرا وعلي أشده داخل دوائر صنع القرار الصهيوني المحتل لفلسطين العربية وفي مراكز الأبحاث المختلفة ذات الصلة بهذا الموضوع . والسؤال المطروح : هل اتفاقية السلام مع مصر مستمرة أم لا ؟ . كل ذلك الجدل في الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية علي الرغم من أن أغلبية الأطراف في مصر أظهرت أنها لن تمس اتفاقية السلام – بحسب الكاتب – ولكن الكاتب يغض الطرف عن أن هذا هو رأي النخبة المقبلة على استحقاقات انتخابية . وتناسي الكاتب أن الشعب المصري لا يقبل باتفاقية العار هذه ، على الرغم من أن الكاتب أقر بأن الشعب المصري أصبح صاحب السلطة الشرعية وأنه هو متخذ القرار في كل القضايا الآن وأن الحكومات لا تملك سوي تنفيذ قرارته فحسب .
     ويجيب الكاتب علي السؤال المطروح : لماذا هذا الجدل الكبير داخل الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية عن اتفاقية السلام المبرمة مع مصر ؟ . يقول : " أدرجت التغييرات في مصر هذه القضية – يقصد اتفاقية السلام مع مصر -  في جدول الأعمال ، وباتت موضع جدل داخلي في إسرائيل ، لأن في حال المساس باتفاق السلام مع مصر فإن ذلك سينعكس علي اتفاق السلام مع الأردن ، الأمر الذي ستكون له انعكاسات إستراتيجية بعيدة المدي علي إسرائيل ، فقد أخرج توقيع اتفاقية كامب دافيد سنة 1979 مصر من دائرة الدول العربية التي قد تدخل في حرب مشتركة ضد إسرائيل ، وأبعد احتمال خوض إسرائيل لحرب علي جبهتين في آن معا ، وعلي هذا الأساس بنت إسرائيل توقعاتها الإستراتيجية وحجم قواتها وخططها الحربية ، الأمر الذي سمح لها بتركيز استعداداتها العسكرية علي جبهات أخرى ومكنها من نهاية التوفير في الموارد المالية . وفي حال توصلت إسرائيل إلي الاستنتاج بأن سيناريو الحرب العربية الشاملة قد أصبح ممكنا فإنها ستضطر إلي إجراء تغيير جذري في تقويماتها الإستراتيجية ..." (15) إن التغييرات التي تحدث في مصر نذير شؤم علي هذا الكيان الصهيوني ، فقد طل سناريو الحرب الشاملة علي هذا الكيان بعد أن انقشع منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر ، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلي عودة دور الشعب المصري في معادلة الصراع الفلسطيني الصهيوني ، ذلك الشعب المستعد في كل لحظة لخوض غمار الحرب مع الصهيوأمريكية العالمية والمستعد للتضحية بالغالي والثمين في سبيل عودة فلسطين العربية والمسجد الأقصي السليب . ولذلك تلاحظ أن العجرفة الصهيوأمريكية تجاه مصر انخفضت وتيرتها إلي حد ما في تلك الآونة.
     ويصرح "كورتز" بأن هذا الكيان الصهيوني يمر بلحظة اختبار قاسية جدا بسبب ما يجري في العالم العربي خاصة مصر ، ويصف الحالة بأنها ضبابية ، وأن الرؤية الصهيونية للموقف باتت مشكك فيها . وبالطبع فهذا أمر غاية في السوء لأنه يصعب معه اتخاذ القرارات والسياسات والاستراتيجيات الملائمة للوقت الراهن والمستقبلي . لذلك يمكننا القول بدون أدني شك أن هذا الكيان الصهيوني يعيش لحظة ارتباك وخوف حقيقية لم يمر بها منذ نشأته والسبب وراء ذلك هو أن "قوة الشعب" هي الفاعلة وحدها على أرض الواقع في مصر . وأصبح سؤالا ملحا الآن في هذا الكيان : هل نحن – أقصد الصهاينة – مقدمون علي حافة الانهيار والموت وانهيار الدولة وضياع حلم دولة الصهيونية الكبري من النيل إلي الفرات . يقول "كورتز" : إن الفوضي الحالية في العالم العربي تضع إسرائيل في مواجهة مشكلة كبيرة ، وهي كيفية التصرف في ظل الشروط الحالية من عدم اليقين . ففي حال بدأت إسرائيل في وقت مبكر بالإعداد لاحتمالات انهيار اتفاق السلام مع مصر فإنها ستعرض نفسها للخطر لأن الطرف الثاني سيعتبر ذلك موجها ضده ، وفي حال تأخرت في القيام بذلك  وانهار الاتفاق ، فهي لن تكون مستعدة لمثل هذا التغيير في الوقت الملائم . كذلك سيكون لانهيار اتفاق السلام مع الأردن نتائج إستراتيجية قاسية بسبب وجود الأردن في مواجهة إسرائيل ، وعدم وجود حيز جغرافي يفصل بينهما يمكنه أن يلعب الدور الذي تلعبه صحراء سيناء التي تفصل بينهما يمكنه أن يلعب الدور الذي تلعبه صحراء سيناء التي تفصل بين إسرائيل ومصر . لكن يجب الإشارة إلي أن النظام الأردني حافظ حتي الآن علي استقراره ، ومن شأن انضمامه إلي اتحاد دول الخليج أن يساهم في تدعيم استقراره وعبور "الربيع العربي" بسلام . " (16) ولذلك أخذ الجيش المصري العظيم منذ 25 يناير 2011 م على عاتقه مسؤولية تعمير سيناء بالكثافة البشرية المناسبة بما يتفق مع منظومة الأمن القومي المصري . فإذا كان نظام الرئيس المخلوع أهمل سيناء طوال ثلاثة عقود فإن الجيش المصري العظيم من منطلق مسؤوليته الوطنية تجاه الوطن والشعب يضع الخطط التي يتم من خلالها تعمير سيناء وتنمية قناة السويس من أجل الحفاظ على الأمن القومي المصري وكذلك بهدف التنمية الشاملة لهذه المنطقة والدولة المصرية عامة .
     وبالنسبة لتأثير الأحداث الجارية في العالم العربي على العملية السياسية السلمية بين الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية مع بقية الأنظمة العربية قديمها وجديدها : خاصة سورية يري الباحث أن الوضع الحالي في هذه الدولة لا يبشر بخير يذكر ، فبعد ما جري ومازال يجري تغير الأمر كثيرا جدا . يقول : " تشير الصورة الحالية للمشهد السياسي في الدول العربية إلي أن الأنظمة الجديدة ستواصل دعمها للعملية السياسية وذلك من خلال التعبير عن تأييدها لمبادرة السلام العربية ، لكنها ستكون أكثر تشددا تجاه كل ما تعتبره رفضا إسرائيليا . في ظل هذه التطورات بات من الصعب علي إسرائيل حشد أطراف في العالم العربي يمكنها المساعدة في لجم العناصر الفلسطينية التي تعتبرها إسرائيل معرقلة للعملية السياسية ، كما سيكون من الصعب عليها ممارسة الضغط علي الزعامة الفلسطينية الرسمية للقيام بخطوات تعتبرها إسرائيل تدعم المفاوضات ، وقد كانت هذه الأهداف سهلة التحقق بالنسبة إلي إسرائيل قبل "الربيع العربي" ... ويصعب على المراقبين عن بعد معرفة موقف الرأي العام من موضوع المفاوضات مع إسرائيل في مجتمع مغلق مثل المجتمع السوري . ، فإن هذا الأمر لا يبدو ممكنا في الوقت الراهن قبل استتباب الأوضاع في سورية ... أما بالنسبة إلي لبنان ، فلا جديد علي صعيد العلاقة مع إسرائيل . " (17) نعم ، قبل ما جري من أحداث في العالم العربي ومازال يجري كان الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية يعربد في المنطقة العربية بحماية أمريكية ولكن بعد الأحداث الأخيرة التي بدأت في 2011 م تغير الوضع تماما فالقوة أصبحت بيد الشعب وليس بيد الأنظمة الحاكمة ، تلك الأنظمة التي أضحت تتلقي أوامرها من الشعب ، وبدا ذلك بوضح وجلاء ظاهرين في عام 2013 م عندما طلب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع ونائب مجلس الوزراء تفويضا بل أمرا من الشعب في مجابهة العنف المحتمل . إن القوة أصبحت بيد الشعب ومخطيء من يظن أن الإدارة التي تدير الدولة المصرية تجرأ على مخالفة إرادة الشعب المحرك الوحيد دون غيره لكل ما يجري  في مصر على المستويين الداخلي والخارجي . 
ويختتم الباحث بحثة بخلاصة عجيبة لا صلة لها بالواقع والأحداث الجارية علي الإطلاق ، فبعد أن يضع لنا مقدمتين واقعيتين في استعراضه للحالة العربية الراهنة إلا أنه يستنتج منها نتيجة مغايرة تماما لهما ، نتيجة تتناقض تماما مع كل ما أشار إليه في ثنايا بحثه أو نتيجة تعبرعن حالة الهلع التي أصيب بها الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية أو أمانية المزعومة فيما يرجو أن يحدث وهو لن يحدث إن شاء الله . فهو يخلص إلي مقدمة أولي فحواها : أن الوضع الراهن في المنطقة يشهد إعادة توزيع جديدة للأدور والتحالفات. ومقدمة ثانية مؤداها أن كثيرا من الدول العربية ستضع في حساباتها عند اتخذ أي قرار فيما يتعلق بالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية أوامر شعوبها لها وليس حسابات الصهيوأمريكية العالمية . وأخير ينتهي الباحث من هاتين المقدمتين إلي نتيجة هي : إن الوضع الراهن يبشر بخير بالنسة للكيان الصهيوني وخاصة في ظل جمود العملية السياسية خاصة علي المسار الفلسطيني . ولا يكتفي الباحث بهذه الاستنتاج الزائف والمضلل بل يتمدي في تزيفه وضلاله و يقول : " وعلي الرغم من أن الوضع الجديد يطرح مشكلات كثيرة أمام إسرائيل لكنه أيضا يخلق فرصا جديدة . إذ يمكن أن تساعد إسرائيل الأنظمة العربية المشغولة بمشكلاتها الداخلية من خلال إزالة مشكلة النزاع الإسرائيلي والمشكلة الفلسطينية من جدول الأعمال ، والعمل بجدية علي إحياء العملية السياسية ، وبالتالي ، يمكنها بذلك المناورة بين مختلف اللاعبين ، واستغلال ضياع الحدود بين معسكر دول الممانعة والدول المعتدلة وفتح الطريق أمام تحسين العلاقات بينها وبين دول المنطقة المعنية بذلك . كما تفرض الأوضاع الجديدة علي إسرائيل وضع سياسة أكثر تطورا تأخذ في الاعتبار تعقيد الوضع الجديد في الشرق الأوسط وتشابكه . " (18) إن الباحث يتوهم أن خوض الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية لعملية السلام المزعومة مع بقية الأطراف العربية مرة أخرى انما سيساهم في اعادة الاستقرار إلي المنطقة ، هذا وهم باطل يعيش فيه الباحث . إن خروج هذا الكيان من هذا المأزق الوجودي لن يكون بهذا الحل السحري الزائف الذي يطرحه الباحث وخاصة بعد أن أصبح الشعب هو صاحب القرار كما قرر الباحث في بحثه .
     ولقد إستخدم الباحث أثناء عرضه لبحثه للتعبير عن ما جري ولن يزال يجري في العالم العربي كثيرا من الكلمات والمصطلحات للتعبير عن هذه الحالة وهي : العاصفة ، و التغير ، الربيع العربي ، والتظاهرات ، والفوضي  ، والتطورات ، وتغير النظام ، والنظام الجديد ، والوضع الجديد . والملاحظ أن الباحث لم يستخدم كلمة أو مصطلح "الثورة" . فهل يعني ذلك – علي الأقل من وجهة نظر الباحث - أن ما جري في بعض البلدان العربية خاصة مصر ليس "ثورة" بل هي مجرد احتجاجات أو تظاهرات فحسب أدت إلي سقوط بعض الأنظمة العربية الاستبدادية والدكتاتورية بعبارة أخري هل يعني ذلك أن ما حدث لا يرقي لمستوي "ثورة" متكاملة الأركان وبكل ما تعنيه كلمة "ثورة" من معني . إن الباحث يري أن ما حدث هو تطورات أو تغيرات كبيرة أدت إلي بزوغ أنظمة جديدة محل أنظمة قديمة سلبت ونهبت ثروات شعوبها ونشرت بينها الجهل والجوع والمرض . وإذا كان الأمر كذلك ، فما حدث وما يزال يحدث : هل كانت فيه الشعوب مجرد وقود لهذه الاحتجاجات والتظاهرات ؟! . وهل يعني ذلك أن ما حدث حدث بفعل فاعل وهو بعض الشباب المقهور الذين خرجوا للميادين والشوارع للتعبير عن غضبهم مما جري من قبل هؤلاء الحكام أم أن هذا الخروج الغير مسبوق من الجماهير إنما دفعت إليه دفعا بدون إرادة منها أم أن هذا الخروج العظيم إلي الميادين والشوارع كان بتدبير مسبق من قبل قوي داخلية اتفقت في ذلك مع قوي خارجية مستغلين حالة الجوع والجهل والمرض التي حلت بالشعوب العربية المقهورة . على كل حال فإن الجماهير العربية خرجت للميادين والشوارع وما زالت تخرج وخاصة الجماهير المصرية . وأنه بسبب هذا الخروج الكبير أصبحت للجماهير قوة حقيقية على الأرض وأنها أصبحت صاحبة القرار في تسير شؤون دولها داخليا وخارجيا ، وأن الحكومات لن تعد بعد هذا الخروج – خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الصهيوني – قادرة علي الرضوخ لإملاءات الصهيوأمريكية العالمية ، وأنها لن تركن إلا لأوامر شعوبها ، وهذا ما يخيف الصهيوأمريكية العالمية خاصة الشعب المصري نظرا لخصوصية الحالة المصرية علي كافة المستويات : جغرافيا ، وتاريخيا ، وسياسيا ، وإستراتيجيا ، فهكذا جبهة مصرية ترعب الصهيوأمريكية العالمية من "قوة الشعب" الذي أصبح صاحب القرار في كل ما يجري على أرض مصر .   
كلمة أخيرة :
     إن الجماهير الهادرة التي خرجت للميادين والشوارع 25 يناير 2011 م ، والتي ضحت ولن تزال تضحي بالغالي والثمين وتدفع فاتورة الاحتجاجات والتظاهرات دماء وشهداء في سبيل تحرير الإرادة المصرية علي المستوي المحلي والخارجي ، لا يمكن إهمالها من كل الأحداث التي لن تزال مستمرة . فـ "قوة الشعب" هي وقود كل ما يجري ولا يعني ذلك أن الشعب دمية يلعب بها من يشاء بل إن الشعب خرج وسيستمر في الخروج إلي الميادين والشوارع  باحثا عن الخبز ، والحرية ، والمساواة ، والعدالة وكل القيم الإنسانية الكريمة التي تعلي من شأن الوطن والمواطن . "فالشعب هو الحالة الوجودية والواقعية الأهم ، والأفعل - أو الأكثر فعالية -  والأقوى للإنسان الفرد...لأنها قوة إضافية - اجتماعيا- للفرد . فيهتفون هتافات متوافقة مع هوى الجميع - أو قناعاتهم ومعتقداتهم - ، يتبنون المشاعر الموحدة ، والتوجهات المشتركة - والموحدة ، يزداد تعاطفهم مع بعضهم بعضا ؛ متجاوزين الفروق الخاصة ، والاختلافات التي كانت تفرق بينهم – مهما كانت...! تزول من أذهانهم ، ومشاعرهم ، كل ما يعيق الطوفان الشعبي" قوة الشعب" في اتجاه الحدث المشترك – الثورة ضد الطغاة - .. والمستبدين ، والمنحرفين ، والمرتزقة ، والمتسلقين ، والمنافقين...الخ . " (19)
     ولقد أكد أحد الزعماء الصينيين علي أهمية "قوة الشعب" في مواجهة كل المتاعب والمشاكل التي تمر بها بلاده . يقول : "ون جيا باو" رئيس مجلس الدولة الصيني عن قوة الشعب " الشعب هو المصدر الأهم للقوة في التصدي للأزمة المالية... يجب علينا أن نعزز دوما من الثقة ، ويجب علينا أن نعتمد على الشعب طول الوقت". (20)
     إن "قوة الشعب" أصبحت هي العلة المادية والفاعلة في الشارع العربي عامة ومصر خاصة علي الرغم مما يروج له بعض الصهيانية في الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العربية من أن التغيير الذي حدث في مصر كان نتيجة تراخي نظام مبارك في مجابهة هذه الجماهير وليس بسبب "قوة الشعب" . (21)
نتائج وتوصيات :
في سبيل تأسيس علم الاستغراب (2)
عرض وتحليل محاضرة :
رياح التغيير في الشرق الأوسط
من منظور إسرائيلي
الجنرال المتقاعد عاموس يادلين(1)
إعداد :
أ.د/ حسن حسن كامل إبراهيم
كلية التربية – قسم الثقافة الإسلامية – جامعة الملك سعود – المملكة العربية السعودية / كلية البنات – قسم الفلسفة - جامعة عين شمس – جمهورية مصر العربية .
علي سبيل التقديم :
     قدم "عاموس يادلين" هذه المحاضرة في معهد " واشنطن لسياسات الشرق الأدني" ، وألقي هذه المحاضرة بعد حركة الاحتجاجات والتظاهرات المصرية في ميدان التحريرير 25/1/2011 م ، وهذه المحاضرة غاية في الأهمية لأن المحاضر جنرال سابق في جيش الدفاع الصهيوني و كان رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية الصهيوني 2005- 2010 م ، وذلك يعني أنه يمتلك كما من المعلومات عن المنطقة العربية خاصة مصر كبيرا ، ولذلك كل كلمة سيلقيها في هذه المحاضرة من الضروري التفكير فيها بدقة وأخذها على محل الجد وأحيانا على محمل التهديد أو الترغيب . ومما يزيد من أهمية المحاضرة أيضا المعهد الذي ألقيت فيه ، فهذا المعهد يعد من أهم وأكبر المعاهد أو المراكز العلمية الخاصة بالفكر ، فيوجد في أمريكا حوالي ألف معهد أو مركز من مراكز الفكر أو مراكز الأدمغة ، وهذه المراكز لها دور كبير جدا في إدارة السياسة الأمريكية في المنطقة العربية . أضف إلي ذلك أنه بعد مراجعة قائمة الباحثين في هذا المركز وجدنا أن عددا ما الباحثين من العرب والمسلمين الذي يعملون في هذا المركز – وأمثاله – وخاصة أن القسم الخاص بالبحوث عن مصر يشرف عليه أحد المصريين الذين يعملون في المركز .
     يدلي "يادلين" في هذه المحاضرة الهامة ببعض النصائح للصهاينة سواء كانوا ممن يدير الدولة أو الجمهور ، وكذلك يؤشر علي المكاسب التي يمكن للكيان الصهيوني أن يجنيها من وراء حركة الاحتجاجات والتظاهرات الكائنة في بعض الدول العربية خاصة مصر ، ولا يفوته أن ينبه إلي بعض المخاطر التي تحدق بالكيان الصهيوني السرطاني جراء هذه الأحداث . ويؤكد في محاضراته على أن الأحداث الجارية في الدول التي تعمها حركة الاحتجاجات والتظاهرات تحت سيطرة الكيان الصهيوني ويطمئن الجمهور الصهيوني بأنه لا خوف مما يجري بل من الممكن أن نستفيد مما يجري من حولنا ...
     يبدأ "يادلين" محاضرته بعرض بعض النصائح التي قدمت إليه من قبل أن ينتقل للعمل في جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية ، وهذه النصائح هي :
1 – سبر غور كل قضية يقوم بدراستها ، والتعمق فيها للوقوف علي أعراضها وجوهرها أيضا ، والتفكير فيها للبحث عن تفسيرات واقعية لها وحلول كذلك . يقول : " ... هذا عالم – يقصد عالم الاستخبارات – شامل ، معقد ، غير معقول ، غير يقيني ... ينبغي أن تبحث عن كل – أو أهم – محركات القضايا ، سواء أكانت استراتيجية أو تكتيكية ، أو أن تجد حلولا ... " (2) إذا من يعمل في مجال الأيديواوجي والاستراتيجي لا يكفي أن يكون جنرالا سابقا فحسب بل من المفترض والمأمول أن يكون مؤهلا علميا أقصد أن يكون باحثا علميا متميزا ، وأن يكون صاحب كفاءة عالية في ممارسة الشك الديكارتي في كل ما يصل إليه من معلومات ، وأن يكون مؤهلا علميا للقيام  بالتكليفات التي يناط به التعامل معها ، وعندما يتعامل معها يجب أن يجيد استخدام مشرط الباحث العلمي أعني العقل حتى يتمكن من التدقيق في هذه التكليفات ويخرج بنتائج منطقية من خلال بحثه فيها ، وهذه النتائج تحدد بدقة العلل الفاعلة وراء القضية التي يبحثها ويوصي في نفس الوقت بطرق علاج هذه القضية علاجا ناجعا . و"مراكز التفكير أو مراكز الأدمغة" عددا كبيرا من العاملين فيها من الجنرالات السابقين سواء كانت هذه المراكز في أمريكا أو في الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية .
2 – قراءة التاريخ والاستفادة من دروسه وعبره وأحداثه ، فالتاريخ كالشعب خير معلم وملهم . يقول : " هناك دائما في التاريخ شيء يمكنك أن تتعلم منه – فالتاريخ أستاذ جيد جدا ، لكنه لن يخبرك كل شيء لأن العالم يتصف بالدينامية . ويكمن التحدي في اكتشاف المتغير في القضية المحددة ، والذي من شأنه أن يغير مجري الأمور " (3) الباحث الحاذق والمدقق سيقف على كل المتغيرات التي لا يجدها في دروس التاريخ ، ويدقق فيها لمعرفة العلل الحقيقية التي تكمن وراء ظهورها إلي حيز الوجود .علي نحو ما سيفعل "يادلين" في محاضرته ، فهو سيبحث عن الأساباب الجوهرية التي تقف وراء ما يشهده العالم العربي خاصة مصر من حركة احتجاجات وتظاهرات .
3 – التدقيق بحرفية في الأحداث التي يسبر الباحث غورها ، ولا يأخذ بالأفكار الشائعة التي تظهر هنا وهناك ، فيوجد من يحلو له أن يظهر الأحداث على أنها كارثية ، فمازل يوجد بين ركام الأحداث ضوء في نهاية النفق يبعث على الأمل . يقول : " إياك والهلع ! إياك والهلع ! الأمور ليست بالسوء الذي تبدو عليه في عناوين الأخبار ! إذا ، دقق فيها ، وأبحث عن الجانب الجيد " ... كن كمن ممسوس بجنون الاضطهاد (paranoid) بعض الشيء ، لأن الأخبار جيدة كما تبدو في العناوين " (4) يري "يادلين" أن الأحداث الجارية في العالم العربي خاصة مصر لا تمثل خطرا حقيقيا واستراتيجيا على الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية علي نحو ما يبدو في الصحف والمحطات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام والاتصال الصهيونية . ويبدو ذلك واضحا في تساؤل "يادلين" عن دلالة ما يجري في العالم العربي من حول الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية ، الذي كان يركن طوال عدة عقود إلي ركود الأحداث في العالم العربي إلي أن حدث ما حدث من احتجاجات وتظاهرات . يقول : " يلح علي سؤال : هل هذا الربيع العربي ذو دلالة ؟ أجل ، أظن أني لا أتردد في القول إنه ذو دلالة كبيرة ! إنه بكل تأكيد أهم حدث منذ سبعينيات القرن العشرين . لقد طبع عقد السبعينيات تاريخ منطقة الشرق الأوسط مدة أربعين سنة . تلك هي الأعوام العشرة التي شهدت حربا بين إسرائيل ومصر ، فسلاما بينهما ، وارتفاعا حادا في أسعار النفط الخام عدل ميزان الموارد الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط ، لا بل في كل العالم ، ثم ثورة إسلامية في إيران . وتواصلت مفاعيل هذه الأحداث علي المنطقة طوال أربعة عقود . " (5) بالفعل هذا ما حدث وباتت الأحداث راكدة تماما في كل أرجاء العالم العربي خاصة مصر ، التي ظل فيها نظام الرئيس المعزول في عام 2011 م يكرث لحالة الخضوع والخنوع للصهيوأمريكية العالمية . ولكن في نهاية عام 2010 م وبداية عام 2011 م بدأت تتفجر أحداث وتغيرات هائلة في العالم العربي خاصة مصر من احتجاجات وتظاهرات وخلع نظام الرئيس المصري المعزول . يقول : " وها نحن نشهد اليوم مجموعة جديدة من الأحداث . هل نحن قادرون علي إدراك مسار الأمور وخواتيمها منذ الآن ؟ فلنتواضع قليلا ! ليست هذه سوي البداية ولايمكن التكهن بما ستفضي إليه هذه التطورات .إن الأحداث التي تأخذ منحي معينا علي المدي القصير قد تسلك اتجاها معاكسا في المديين الأوسط والبعيد . وفي الواقع ، لايزال الباب مفتوحا علي مصراعية أمام شتي الاحتمالات ، حتي في تونس ومصر . " (6)
     القاريء الفاضل ، اسمح لي هنا أن أعمل بنصائح "يادلين" وأحلل وأدقق في كل كلمة يطرحها . فهو يطرح سؤالا محوريا وهو : هل الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية لدية من القدرات والإمكانيات التي تعينه على متابعة الأحداث – الاحتجاجات والتظاهرات التي تدور في بعض الدول العربية خاصة مصر- من حوله ؟ ، ومعرفة مساراتها و اتجاهاتها وإلي ماذا ستنتهي ؟ ، ويعقب على هذا السؤال بقوله " ... فلنتواضع قليلا ! ... " . يدل هذه التعقيب على أن الأحداث مراقبة بدقة وحكمة وموضوعية من قبل الكيان الصهيوني ، وأنها مخطط لمساراتها ونهاياتها بدقة ، وأن كل الأحداث تحت سيطرة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية . وهذه رسالة لداخل الكيان الصهيوني وفي محيطه الإقليمي مؤداها : كل شيء تحت السيطرة . ولكننا علينا أن ندع الأحداث تسير في مجراها وفق حساباتنا وتقديراتنا ، فنحن اللاعبون والعلل الفاعلة للأحداث . نحن نسيطر على الأحداث ومستعدون لكل الاحتمالات على المدي المتوسط والبعيد ، كذلك أن كل ما يجري من أحداث ليس سوي البداية فمازالت الأحداث تجري وفقا لما نحدده لها . إن "حرب الجيل الرابع" أو "حرب الأدمغة "بدأت وستستمر إلي أن نصل إلي ما نريد وهو دولة الصهيونية الكبري من النيل إلي الفرات . واستنتاجات الباحث هنا قد يري القاريء أنها مفتعلة أو أنها تأويل في غير محله أو أن طرح "يادلين" لا يوحي بذلك مطلقا ، ولكن الباحث يري أن ما بين السطور يوحي بهذه الاستنتاجات ، وهذه وجهة نظر للباحث قد يتفق معه فيها بعض الباحثين وقد لا يتفق معه فيها البعض الآخر . ويتكأ الباحث في ذلك علي الكثير من الشواهد منها القبض على جاسوس صهيوني كان ضابطا في جهاز الموساد الصهيوني " إيلان تشين جبرابيل" يحمل الجنسية الأمريكية أثناء الاحتجاجات والتظاهرت في ميدان التحرير في ذلك الوقت .
     ويزعم "يادلين" أن ما يجري في مصر ، وليبيا ، وسورية لا يمكن التنبؤ بما ستنتهي إليه ، ويلفت اتنباه الحضور إلي أن هذه الاحتجاجات والتظاهرات لم تصل إلي دولتين هامتين بالنسبة للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية وهما إيران والمملكة العربية السعودية ، فرياح التغيير لم تصل هاتين الدولتين . ويؤكد "يادلين" أن الهبات الشعبية إذا وصلت إلي هناك سيكون لذك حسب تعبيره نتائج خطيرة ، خطيرة على الدولتين ، حيث سيتم تفكيك الدولتين وسيصب ذلك في مصلحة هذا الكيان السرطاني المحتل لفلسطين العربية .
     ويوضح "يادلين" الأمر بعبارة أخري حيث يبين ماذا ستفتعله الصهيوأمريكية العالمية في البلدان العربية ، وهذا ما جري فعلا  في ما بعد 2011م ومازال مستمرا . يقول : " هل هو ما يعرف بأثر الدومينو ؟ هل يعني سقوط أية لبنة من لبنات الجدار انهياره ؟ ليس بالضرورة .أعتقد أن أريج الياسمين الذي فاح من تونس يتجه شرقا ، لكنه يمتزج بنفحات الزهر المحلي الخاص بكل بلد ، بمكوناته المجتمعية والطائفية والمذهبية والطبقية . لذا ، ينبغي لنا تحليل أوضاع كل دولة علي حدة . كذلك تختلف وسائل مواجهة الأجواء الثائرة (7) من بلد إلي بلد . ففي عدد من البلاد تهتف الحشود "إرحل" ، مطالبة برحيل الحاكم ، فتسقط الحكومة ، وفي أخري ، يتم استدعاء الجيش من ثكناته ، وفي بعض الأماكن ، تدفع مليارات الدولارات إلي المواطنين لتلطيف رياح التغيير وتحويلها إلي نسمات خفيفة جد خفيفة . " (8) هذا هو الذي خططت له الصهيوأمريكية العالمية أنه بمجرد سقوط دولة في بئر الفوضي الخلاقة تتبعها بقية الدولة في السقوط ، بفعل الاختلافات الطبقية ، والطائفية ، والمذهبية التي ترسخها في الدول العربية من خلال عملائها من بني جلدنتا . وذلك يعني أن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية استبدل الدبابات والطائرات بالعقول أو الأدمغة ليحصل على الكثير من المكاسب ، وهي أكثر مما كان سيحصل عليه بالحرب ، وذلك بعد تنحية مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني بفعل اتفاقية السلام التي وقعت في كامب ديفيد . والحذر الحذر من أن المخطط الشيطاني قد وقف بسبب ما جري في مصر في 30 يونيه 2013 م . فالمخطط مستمر ، مخطط حرب العقول ومخطط إقليم الشرق الأوسط الجديد أو الكبير . ولكن أليس من الممكن أن تصل حركة الاحتجاجات والتظاهرات العربية إلي الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية ؟ . مما لاشك فيه أنها يمكنها أن تصل إليه إما بفعل فاعل أو بالمصادفة أو أنها قد تصل إليه لأن العالم كله أصبح قرية صغيرة خاصة أن دول الطوق أو الجوار للكيان الصهيوني تمر بها رياح التغيير خصوصا سورية. فعلي الرغم من أن العالم المعاصر " هو عالم رحب وواسع ومترامي الأطراف ومتعدد الأجزاء ، لكن رغم اتساعه إلا أنه يتحول إلي قرية صغيرة . لقد تقلص العالم بفضل وسائل المواصلات والاتصال حتي أصبحت الكرة الأرضية بمثابة الحي الصغير الذي لا يخفي علي سكانه أي شيء مما يجري بمحيطهم . " (9) اذا يمكننا القول أن احتمال هبوب عاصفة التغيير علي الكيان الصهيوني ممكنة .
     ويؤشر "يادلين" إلي أنه من الضروري دراسة حالة كل دولة من هذه الدول على حده لمعرفة الأسباب التي تؤدي إلي تفاقم الأوضاع في هذه الدول والسيطرة على الأوضاع فيها . ويعرض "يادلين" لأكثر من تفسير وتحليل لكل ما يجري ، وهي روايات عربية وإيرانية ، وهي تحليلات وتفسيرات تطمح إلي المحافظة على هذه الدول من سيناريو التقسيم المعد لها سلفا . يقول : " إذا ، علينا تحليل أوضاع كل دولة علي حدة ، فهناك صراع علي رواية (narrative) هذه الثورة فيحلو للمقيمين بطهران أن يعتبروها ثورة إسلامية ، أي ثورة إيرانية متواصلة ، وتصديرا ناجحا لها ، وتقول القاعدة : "هي ذي أهدافنا تتحقق" . وهناك الرواية السورية وفحواها أنه تم إسقاط مبارك لأنه دعم إتفاقية السلام التي وقعها السادات مع إسرائيل . أعتقد أنه في وسعنا القول بوضوح إن هذه الروايات مجافية للواقع ، إذ إنها حقا ، رواية الشعوب العربية الحريصة علي مجتمعاتها والساعية لتغييرها . " (10) كأن "يادلين" يريد أن يقول : دعوهم يفسروا الأمر على ما يحلوا لهم فمخططنا الشيطاني لن يزال مستمرا ، دعوهم يعيشوا في أوهامهم التي نسجوها ، فمخططنا في تقسيمهم لن يزال مستمرا . وكأن حرب العقول لن تتوقف . ولكن الأمل كل الأمل في قوة الشعوب العربية وليس الحكومات علي مواجهة هذا المخطط الشيطاني الذي بدأت فصوله ولن تتوقف إلا بتصدي الشعوب له ، فالصهيوأمريكية العالمية تعجز عن الوقوف أمام الشعوب .
     ويصف "يادلين" حركة الاحتجاجات والتظاهرات التي تعصف ببعض الدول العربية بأنها "ثورة" ثورة بدون قيادة ، ثورة تبحث عن قائد يقودها إلي المستقبل . يقول : " هناك نقطة أخري أود الإشارة إليها ، وهي أنها ثورة من دون قادة للثورة ، أي أنها ثورة بلا قيادة . من هو قائد المحتجين المصريين المحتشدين في ميدان التحرير ؟ من هو قائد الشعب في البحرين أو اليمن ؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال . لا نزال نرقب بروز الزعامات الكاريزمية التي ستقود الثورة في هذا الاتجاه أو ذاك . " (11) هذا التحليل يحتاج للتأمل ، فهل فعلا الاحتجاجات والتظاهرات في ميدان التحرير يمكن أن نطلق عليها " ثورة" ؟! ، وهل هي بالفعل بدون قيادة ؟! . بالنسبة للسؤال الثاني المطروح - بأقل قدر ممكن من البحث والتقصي - يمكننا القول أنه كان لحركة الاحتجاجات والتظاهرات قيادة جماعية ، وهي الشباب الذين قادوا هذه الحركة ، وهؤلاء الشباب تدربوا علي ثورة اللاعنف في العديد من مراكز الأدمغة الكائنة في أمريكا وأوربا خاصة صريبا وأوكرانيا ، وهؤلاء الشباب كان يحركهم قيادات هذه المراكز ، ذلك يعني أنه كان لهذه الحركة قيادة أجنبية بآليات محلية تم تجنيدها للقيام بالفوضي الخلاقة لإغراق مصر في صراعات داخلية تنتهي بتحويلها لدولة فاشلة أعني أن تنهار هذه الدولة من الداخل مثلما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق . أما الثورة الفعلية فهي التي تكون بقيادة وطنية وليس قيادة أجنبية على غرار ثورة وزير الحربية أحمد عرابي في عام 1882 م في مواجهة الخديو توفيق حاكم مصر في ذلك الوقت ، تلك الثورة التي قادها وزير الحربية بتكليف من الشعب بسبب تردي الأوضاع في مصر . وبسبب الخيانة فشلت الثورة وانتهت باحتلال الاستعمار البريطاني لمصر . هذا نموذج على ثورة مصرية ، وهذا يقودنا إلي الاجابة على السؤال الأول : هل ما حدث ثورة ؟ ، أعتقد – من منطلق الإجابة على السؤال الثاني - أن ما حدث حركة احتجاجات وتظاهرات ، كان وقودها الشعب المصري ، ولم يكن ثمة ثورة حقيقية بفعل قيادة وطنية مصرية مثلما حدث في الثورة العرابية آنفة الذكر . كذلك الثورة تعني اجتثاث نظام قديم واحلال نظام جديد يحقق مطالب الثورة : الخبز ، والحرية ، والعدالة الاجتماعية ، والكرامة الإنسانية وهذا ما لم يتحقق حتي الآن رغم مرور حوالي ثلاثة أعوام علي احتجاجات وتظاهرات 25 يناير عام 2011 م .
     ينتقل "يادلين في محاضرته إلي مرحلة أخري من التحليل لما يجري في بعض البلدان العربية خاصة مصر من احتجاجات وتظاهرات ، فيثير نقطة غاية في الأهمية وهي الثورة المضادة التي ستحاول أن تسرق الثورة الحالية – على نحو ما يزعم – من الشباب الذين يعلم القاصي والداني أنهم يقودون هذه الثورة . يقول : " الثورات عرضة للخطف والمصادرة خلال الموجة الثانية . فهذا نموذج ثورة 1789 الفرنسية ، وكذلك ثورة 1917 الشيوعية في روسيا ، وذلك ما حدث خلال ثورة 1979 الإيرانية . ففي الموجة الأولي للثورة ، يسعي أناس خيرون ومن ذوي النيات الحسنة لتغيير النظام وإزاحة الحاكم بأمره ، سواء أكان ملكا أم قيصرا أم شاها أم أي حاكم مستبد . يخرجون إلي الطرقات والميادين في تظاهرات احتجاجية ويصنعون التغيير ، ويتم إسقاط الحاكم . لكن خلال الموجة الثانية ، بعد عام أو أقل ، أو بعد عام ونيف ، يستولي نظام قمعي آخر علي مقاليد السلطة ، ويترحم الناس علي الحاكم السابق . لذا، ينبغي الحذر من حدوث ثورة مضادة – لكن ليست الثورة المضادة التي قصدها الشيوعيون في حينه – خلال الموجة الثانية من الثورة ، والتي هي آتية لا محالة . " (12) هذا هو الدرس الأول الذي ينبغي أن نتعلمه مما يجري علي نحو ما يعبر "يادلين" وهو الحذر التام من الثورة المضادة التي تنبأ "يادلين" بأنها قد تأتي بنظام دكتاتوري استبدادي ، وهذا ما حدث فعلا بعد القاء "يادلين" محاضرته أتي الإخوان المسلمون وسرقوا ما يقال عنها أنها ثورة واستولوا على إدارة شؤون الدولة المصرية لمدة عام . فهل من قبيل المصادفة أن يتنبأ "يادلين" بذلك أم هو مخططا له سلفا بالإتفاق مع الإخوان المسلين ؟! . الإخوان الذين تحالف معهم بعد 25 يناير الشباب الذين قادوا هذه الاحتجاجات والتظاهرات . وقامت الجماهير بحركة احتجاجات وتظاهرات أخري أو قل بانقلاب شعبي قوامه ملايين من البشر الذين ملأوا الميادين والشوارع  بعد ذلك في 30 يونيه 2013 م ، وهذه هي الموجة الثانية للثورة التي بشر بها "يادلين" ، موجة ثانية تصحح ما جري في 25 يناير 2011م قادها مرة أخري شباب من داخل الوطن . وألتف الجيش حول مطالب الجماهير ونفذ أمر هذه الجماهير بتنحية النظام الإخواني الذي سرق ما جري في 25 يناير 2011 م ، كما التف الجيش سابقا حول نفس الجماهير في 25 يناير 2011 م مما أدي إلي سقوط نظام الرئيس المصري مبارك . ولقد حذر أيضا "كرين برينتن" من سرقة الثورات  ، وهذا ما يفسر عدم تحقيق الثورات مطالباها . يقول : " إننا نعرف أن في الجسم البشري ، مثلا ، يرافق عدم التوازن الذي نسميه مرضا ردود فعل محددة تميل إلي إعادة الجسم إلي ما كان عليه قبل نشوب المرض . ويبدو مرجحا أنه في النظام الاجتماعي في حالة عدم التوازن ثمة شيء من نوع رد الفعل نفسه نحو الظروف القديمة ويساعد ذلك في تفسير سبب لماذا لا تصبح الثورات تماما مثل ما يريدها الثوريون . وتميل التعديلات القديمة إلي إعادة تثبيت نفسها وإنتاج ما يعرف في التاريخ بأنه رد فعل أو إعادة إلي وضع سابق . وفي النظم الاجتماعية ، كما في الكائن البشري ، تميل قوة إبراء طبيعية تلقائيا تقريبا إلي موازنة نوع من التغيير بنوع آخر من التغيير الشافي . " (13)
     وينصح "يادلين" الدول العربية التي تشهد حركة احتجاجات وتظاهرات بالصبر والمصابرة في إنجاز التغير المنشود ضد قوي الاستبداد والدكتاتورية ، وهذا ما يخبرنا به التاريخ ، ففي رأي "يادلين" التغيير قادم قادم لكن بالصبر سيأتي . ويستشهد على ذلك بما جري في الدول الأوروربية التي بدأت فيها حركة الاحتجاجات والتظاهرات في بدايات القرت التاسع عشر وانتهت بانتصار الليبرالية في نهاية القرن ذاته .(14)
      هذا ما يريد أن يقوله لنا "يادلين" أو هذا ما يطمح إليه حيث لن تستمر حركة الاحتجاجات والتظاهرات قرن بأكمله مثلما حدث في أوروبا بل ستستمر الفوضي الخلاقة حتي تنتهي إلي فوضي عارمة تحرق الأخضر واليابس وتفتت الدول التي تمر بها وكل ذلك بفعل الصهيوأمريكية العالمية التي سخرت كل امكانياتها لتحقيق ذلك خاصة الساحة المصرية التي يراد تحويلها إلي صراعات وخلافات عميقة تقضي على هذه الدولة قضاءا مبرما . ولكن ذلك لن يحدث إن شاء الله فمصر على الرغم من الفساد الكبير المستشري فيها منذ 7000 عام إلا أن الدولة المصرية لم ولن تسقط بإذن الله تعالي على الرغم من الاستعمار بأشكاله المختلفة الذي غزا مصر على مدار تاريخها ، فمصر بأبنائها قادرون وعازمون على تخطي هذه المرحلة بكل ما فيها من أزمات مفتعلة بواسطة بعض العملاء والخونة من بني جلدتنا ومن وراءهم الصهيوأمريكية العالمية .
     ويتحدث "يادلين" عن دور الانترنت "الشبكة العنكبوتية" أو مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة على هذه الشبكة خاصة ما يعرف بموقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" بالإضافة إلي المحطات الفضائية في التواصل بين الجماهير وتأجيج مشاعرهم ودفعهم دفعا إلي القيام بالمزيد والمزيد من الاحتجاجات والتظاهرات . يقول : " لكن ثورة الفيس بوك أشمل بكثير ، لأن عالم الاتصالات الجديد رحب ، ويسهل التواصل والتفاعل بين الناس ، ويوفر وسائل اتصال جماهيرية من خلال الإنترنت والفضائيات الأمر الذي يتيح تعبئة الجماهير ، فتخرج إلي الطرقات منددة بالحكومات قبل أن تتمكن هذه الحكومات من اتخاذ القرارات وإرسال قوي الأمن لقمعها . فهذه ظاهرة جديدة ينبغي أخذها في الحسبان ، وإن لم تكن بمثابة رصاصة فضية . وتؤكد التطورات الحاصلة في أكثر من بلد أن الطريق نحو التغيير ليست واحدة ، ولا ميسرة ، ولا يمكن استنساخ تجربة من أخري ، لأن هناك من يهييء إجراءات مضادة لأي تجربة ناجحة سابقة . وما نجح في مكان ما لن يكتب له النجاح في مكان آخر . " (15) نعم ، لكل بلد خصوصيته ، التكوين الديمجرافي والاجتماعي والعقدي - مثلا - في مصر يختلف عنه في سورية ، مما كان له عظيم الأثر في خلع نظام مبارك في 18 يوما في حين مازال النظام في سورية مستمرا في إدارة شؤون البلاد إلي أن يشاء الله تعالي . ويؤشر "يادلين" علي أن النجاح – مثلا – الذي فعلوه في الحالة المصرية لم يتحقق بعد في الحالة السورية . ولن يزال صراع الإرادات مستمرا بين الصهيوأمريكية العالمية من جهة والشعوب العربية من جهة أخري ، ولم نسمع أو نقرأ أن الإستعمار في أي مكان أو زمان انتصر على إرادة الشعوب .
     وفيما يتعلق بنعت "يادلين" حركة الاحتجاجات والتظاهرات التي كان ومازال وقودها الشعوب بأنها "ثورة الفيس بوك" مسألة تحتاج لتأمل ونظر من قبل بعض الباحثين والدارسين . ولقد قام العديد من الباحثين والدارسين في أمريكا وأوربا بالكثير من الدراسات في هذا المجال أعني دور شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك / تويتر" في حركة الاحتجاجات والتظاهرات في العالم العربي . فقد قام باحثون متخصصون من جامعتي واشنطن وكمبريدج بدراسات علمية أكاديمية حول هذه المسألة وانتهوا لكثير من النتائج العلمية . فدراسة جامعة واشنطن انتهت إلي نتائج منها :
·        أن حركة الاحتجاجات على السلطة التي تدير الدولة ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تظهر في الميادين والشوارع .
·         استفاد الناس كثيراً من المشاركة في الشبكات الاجتماعية سعيا للديمقراطية وأصبحت مختلف وسائل الإعلام من صحافة ومواقع جزءا هاما من الأدوات الساعية للحرية .
·        يوجد نوع من الانفجار والعطش للحرية والديمقراطية والتغيير . كما حدث في مصر حيث ازدهر ما أطلقت عليه الدراسة الربيع العربي .
·         استفاد كل المستخدمين للمواقع والانترنت من ممارسة حرية التعليقات والمحادثات بصورة لافتة .
·        واجهت بعض الحكومات تحديات صعبة في عملية قطع الاتصالات أو الانترنت أو حتى الهاتف النقال .
·        وسائل الإعلام التقنية الحديثة كان لها دور كبير في عملية التغيير بصورة مدهشة .
     ولم تنته الدراسة إلي ما أطلقه "يادلين" علي حركة الاحتجاجات والتظاهرات أنها "ثورة الفيس بوك" بل تؤكد الدراسة علي دور وسائل التواصل الاجتماعي في إشعال وتأجيج حركة الاحتجاجات والتظاهرات فحسب وهذا ما حدث بالفعل وظهرت نتائجه على أرض الواقع . 
وانتهت الدراسة البريطانية إلي نتائج منها :
·        رصدت الدراسة توظيف موقع “فيسبوك” كجريدة على الإنترنت تنشر لقاءات مع المشاركين في الإضرابات والاحتجاجات .
·        أن المناقشات حول الإصلاحات الدستورية في مصر كانت واحدة من أهم الأمثلة على استخدام الإعلام الاجتماعي لتعبئة الناس لصالح رأي ما .
·        دأبت بعض وسائل الإعلام الغربية على تقديم الثورة بوصفها “ثورة فيسبوك” ، والتأكيد على تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي في التغيير السياسي . لكن هذه النظرة قد شابها الإفراط في التفاؤل ؛ فقد استمرت أحداث الثورة خلال الأيام الأولى بالرغم من قطع الإنترنت والاتصالات في السابع والعشرين من يناير  2011، بل ربما تسبب منع الاتصال بالإنترنت في دفع المزيد من الناس للمشاركة والخروج للتحقق من الوضع بأنفسهم . وربما كان أحد أسباب التأكيد على دور “فيسبوك” الارتفاع الملحوظ في معدل استخدام مواقع الإعلام الاجتماعي بشكل عام ؛ فخلال شهريّ يناير وفبراير انضم ما يزيد عن 600 ألف مصري إلى موقع “فيسبوك” ، وكان هو الموقع الأكثر استخداماً في يوم الثاني من فبراير ، وهو اليوم الذي عاد فيه الإنترنت للعمل . كما نُشر ما يزيد عن مليون ونصف تغريدة عن مصر في “تويتر” خلال الأسبوع الأول من الثورة .
·         الدور الأكبر لموقعيّ “فيسبوك” و”تويتر” تَمثل في تعبئة الجماهير في البداية ، أما في المراحل التالية تأثر الناس بالتجمعات العادية كصلاة الجمعة واللقاءات الاجتماعية . وأما القول بأن الفضل للتقنيات في هذه الثورة فقد انتهت الدراسة إلي نتيجة مؤداها   “ينسب الناس القوة إلى التقنيات ، في الوقت الذي يجب أن تُنسب إلى الناس أنفسهم” .
·        “فيسبوك” لم يكن مسئولاً عن الوصول إلى نقطة اللا عودة في مسار الثورة ، كما لم يتسبب “تويتر” في إسقاط نظام مبارك ، بل استغرق الأمر عدة مراحل حتى وصلت حركة الاحتجاجات والتظاهرات إلى لحظاتها الحاسمة . لكن لا يمكن إنكار تأثير تقنيات الاتصال الحديثة عموماً ، وليس فقط الإعلام الاجتماعي ، على مجريات الاحتجاجات والتظاهرات المصرية ؛ حيث أتاحت الهواتف الذكية للمتظاهرين توثيق صور الأحداث الجارية وإرسالها إلى تجمعات إعلامية صغيرة أقامها القادة المحليين لحركة الاحتجاجات والتظاهرات ، ومن ثم نقلها إلى وسائل إعلام عالمية مثل “بي بي سي”، و”سي إن إن”، و”الجزيرة”.
·        الإعلام الاجتماعي أتاح تتبُع تطورات الأحداث في الوقت الحقيقي من خلال المشاركين فيها ، كما وفر الوصول لآلاف من وجهات النظر المختلفة ، وهو ما حوَّل من طرق البحث في الحركات السياسية ، كما غيَّر من طبيعة الحركات نفسها . (16)
     يمكننا القول أن حركة الاحتجاجات والتظاهرات ظهرت على نحو رقمي وافتراضي في الانترنت الذي كان وسيلة ناجعة في التواصل بين قادتها المحليين  والتواصل أيضا بينهم وبين قادتهم الصهيوأمريكيين . فعلي الرغم من قطع شبكة الاتصال والانترنت المحلية إلا أن القادة المحليين تواصلوا مع قادتهم في الخارج عبر الأقمار الصناعية .
     ويحذر "يادلين" جماهير الصهاينة المستعمرين لأرض فلسطين العربية من الخوف مما يجري حول هذا الكيان المحتل والغاضب لفلسطين العربية ، ويحذرهم أيضا من الانفعال المفرط في التعاطي مع ما يحدث من حولهم ، ولذلك قرر الظهور على المحطات الفضائية الصهيونية لطمأنتهم . وأشار "يادلين" في هذه المقابلات إلي العديد من الفرص المستجدة أمام الكيان الصهيوني جراء ما يحدث ، وهو يعتبر هذه الفرص السانحة تمثل أمر إيجابيا لهم . وهي :
1 - إن إنتشار قيم الليبرالية من حرية ، وديمقراطية وغيرها في هذه البلدان العربية يعد تغيرا كبيرا يصب في دعم الكيان الصهيوني على المدي البعيد . يقول : " إن تحولا ديمقراطيا في منطقة الشرق الأوسط مفيد لإسرائيل . إذ يندر لأن تحترب دولتان ديمقراطيتان . ولا يجوز أن تبدي إسرائيل لا مبالاة إزاء القيم التي دفعت الشعب المصري إلي ميدان التحرير ، أي قيم الحرية ، والعدالة ، وحكم القانون ، والديمقراطية ، التي نؤمن بها . فحتي لو بدا التغيير خطيرا علي المدي القصير ، مع ما ينطوي عليه من تصدعات يبقي أمرا إيجابيا جدا علي المدي البعيد لذا ، علينا مناصرته . " (17) من غرائب "يادلين" وعجائبه أنه يقرر أنه لا تقوم حروب بين دول ديمقراطية ، كذلك أنه يزعم أن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية يجب أن يساعد مصر – مثلا – في ما تصبو إليه من تحولات ليبرالية لأن ذلك يصب في النهاية في صالح الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية . هذه الغرائب والعجائب المزعومة مدعاة للضحك والتندر ، فالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية سيساعد مصر للخروج من الوضع الراهن ، أليس ذلك أمرا مضحكا ؟! . كذلك ألا تتحارب دول ليبرالية و ديمقراطية؟! . بلي تتحارب . وأقرب مثال علي ذلك حرب عام 2006 م التي اعتدي فيها الكيان الصهيوني - الذي يزعم أنه كيان ديمقراطي -  علي لبنان الديمقارطية ، والتي انتهت بانتصار لبنان الديمقراطي علي هذا الكيان السرطاني الذي لا يقبل بوجود دولة ديمقراطية في إقليم الشرق الأوسط  ، الديمقراطية التي تعني أن الحكومات ستنفذ أوامر شعوبها ، وهذا ما يخافه الكيان الصهيوني لأنه على يقين أن الشعوب العربية ترفض رفضا تاما وجوده في المنطقة العربية .
2 - يستمر "يادلين" في هذيانه ومضحكاته فيقرر أن ما يجري في العالم العربي خاصة مصر يؤشر علي أن سبب مشاكل العالم العربي خاصة مصر هي : الديكتاتورية ، والاستبداد ، وغياب العدل ،،،الخ . ولا علاقة للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية بمشكلات العالم العربي . هذا ما تمخضت عنه قريحة "يادلين" وهذا الأمر يبين أن هذا الكيان الصهيوني غير جاد في عملية السلام المزعومة ، ويوضح أنه مستمر في تضيع المزيد من الوقت في حل الصراع الفلسطيني الصهيوني ، ويعرفنا أنه كلما قاربت مشكلة الصراع الفلسطيني الصهيوني على الحل يفتعل هذا الكيان الغاصب مشكلات في المنطقة لإيقاف عجلة المفاوضات ، وكثيرة هي الاستنتاجات التي يمكننا أن نستفيدها من تحليل "يادلين" . يقول : " الخبر السار الثاني هو أن إسرائيل لم تعد ، بالنسبة إلي المجتمعات العربية ، لب المشكلة في منطقة الشرق الأوسط في اللحظة الراهنة . وهي الحجة التي سيقت ضد إسرائيل للقول إنه بمجرد إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ، ستختفي مشكلات الشرق الأوسط كافة . إذ تبين أن الفقر والديكتاتورية والقضايا الحقيقية الأخري التي تهم المجتمعات العربية ، هي لب القضية ، لا إسرائيل . " (18) إن "يادلين" يقلب الحقائق والوقائع رأسا علي عقب ، يزعم أن سبب أزمات العالم العربي هو نفسه العالم العربي وليس الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية وهذا لغو باطل وكلام ليس له أساس من الحقيقية ، يريد "يادلين" أن يصدره لنا . فشبكات التواصل الاجتماعي والاعلام بمختلف وسائله يثبت بالصوت والصورة مدي تورط الصهيوأمريكية العالمية في الفضوي والصراعات المفتعلة في العالم العربي .(19)
3 – يري "يادلين" إن حركة الاحتجاجات والتظاهرات التي لن تزال تجري في بعض الدول العربية ستعمل علي – أو مخطط لها علي نحو الدقة - إضعاف ما يطلق عليه الكيان الصهيوني محور الممانعة أو المقاومة" بداية من إيران مرورا بحزب الله وحركة حماس ونهاية بسورية . مما سيستتبعة تقدم في عملية السلام المزعومة . (20).
4 – الخبر السار الرابع الذي استنتجه "يادلين" من تحليله للأحداث أنه يتمني وصول حركة الاحتجاجات والتظاهرات إلي إيران زعيمة ما يقال عنه محور الممانعة أو المقاومة فذلك سيعمل على احداث مزيد من التقدم في عملية السلام المزعومة . (21)
ثم ينتقل "يادلين" بعد ذلك إلي استعراض التهديدات المحدقة بالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية بسبب ما يجرى من حركة احتجاجات وتظاهرات في بعض الدول العربية . منها التهديد الذي يمكن أن يبرز في حالة أن مصر تعلن إلغاء إتفاقية السلام الموقعة بينها وبين الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية . والتهديد الثاني يأتي من الأردن فإذا أصيب الأردن بحالة اضطرابات شديدة فإنه سيصعب عليه المحافظة على اتفاق السلام معه . لذلك يري "يادلين" أنه من الضروري أن يحسب الكيان الصهيوني حساباته بدقة متناهية بالنسبة لهذين التهديدين . ويؤكد "يادلين" علي أهمية هذه التهديات المحتملة جدا بقوله : " عندما تكون رئيسا للإستخبارات العسكرية ، كان من صلب مهماتي إصدار الإنذار – الإنذار المبكر – بشأن أوضاع الجبهات كافة ، وإيصاله إلي كل من رئيس الأركان ، ووزير الدفاع ، ورئيس الحكومة . علي الجبهة الشمالية ، وكان عقدي الوظيفي – مع رؤسائي في السلطة السياسية – يقاس بالأيام ، وبالساعات أحيانا ، لأننا يجب أن نكون مستعدين لاستدعاء الاحتياط في حال طرأ طاريء ، وهذا يدعي إنذارا عملانيا مبكرا . أما علي الجبهة المصرية ، التي لدينا معها اتفاقية سلام ، فلا إنذار عملانيا مبكرا ، وإنما إنذار استراتيجي مبكر يقاس بالأعوام ، وهو ما علينا مناقشته الآن . " (22)
     إن هذه التهديدات التي يتخوف منها "يادلين" صحيحة إلي حد ما . ولكن "يادلين" لم يصرح لنا عن السبب الذي يكمن وراء هذه التهديات . فقط قال أنه يتخوف من إلغاء هذه البلدان هذه الإتفاقيات الجائرة والمزعومة . والواقع أنه في حال نجاح حركة الاحتجاجات والتظاهرات في هاتين الدولتين ، فذلك يعني أن هاتين البلدولتين ستداران بمعرفة شعوبهما ، تلك الشعوب  ستنيب عنها حكومات تأتمر بأمرها وتنفذ رغباتها . وهذا هو التهديد الجوهري والحقيقي لهذا الكيان الصهيوني فبما لا يدع مجالا للشك أنه في حالة انتشار الديمقراطية في كل من مصر والأردن ، فإنه في هذه الحالة ستكون السلطة لهذه الشعوب ، التي ستنادي بإلغاء السلام المزعوم والجائر مع هذا الكيان الصهيوني . لأن هذه الشعوب وغيرها من الشعوب العربية تعلم علم اليقين أن وراء هذه الاحتجاجات والتظاهرات المفتعلة  الصهيوأمريكية العالمية ، التي تريد تقسيم كل هذه الدول أكثر مما هي مقسمة ، ويظهر ذلك بوضوح في الكراهية الشديدة التي تزيد يوما بعد يوم من قبل هذه الشعوب العربية للصهيوأمريكية العالمية علي نحو ما تصرح بذلك إدارات أمريكا والكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية ، وهذا عكس ما يزعمه "يادلين" عندما تحدث – سابقا – عن الأخبار السارة التي يمكن أن يحصدها الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية من خلال عملائه من بني جلدتنا الذين يتخابرون معه على الأرض . 
     ويحذر "يادلين" مما يروجه الرئيس الأسد - مثل غيرة من الرؤساء العرب - من أن مشكلة العالم العربي هي في وجود هذا الكيان السرطاني الصهيوني في المنطقة العربية . يقول : "  وعلينا الحذر من الميل إلي تصدير المشكلة إلي إسرائيل . إذ هذا كان منحي الطغاة العرب علي الدوام . كنا في غاية الارتياح لأن أيا من المحتشدين في ميدان التحرير – سواء المحتجين أو العسكريين أو القادة – لم يشر بالإصبع إلي إسرائيل علي أنها أصل المشكلة , لكن الوضع مختلف بالنسبة إلي ما قاله بشار الأسد هذا الصباح . لكنها مجرد كلمات – ولقد اعتدنا عليها . وينبغي الحذر من تصدير المشكلة إلي إسرائيل في شكل أكثر حركية . وقد يقرر كل من حزب الله ، و "حماس" وسورية ، وإيران ، تحويل الأنظار إلي إسرائيل . " (23)
بالرغم من أختلفنا مع الرئيس الأسد في الكثير من الملفات إلا أننا نتفق معه في أن العلة الفاعلة والجوهرية لكل مشاكل العالم العربي هي الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية بفعل الاستعمار الغربي . فالطمع الصهيوني في إقامة دولة صهيون الكبري من النيل إلي الفرات يجعلها تعتمد علي الحروب العسكرية والمدنية – أقصد حرب العقول – لتحقيق هذا الحلم المزعوم والباطل .
     ويحذر "يادلين" كذلك من الفوضي وهو في عرضه وتحليله لها يبعث برسائل خفيه تبدو واضحه من كلاماته ، وتظهر كذلك ما المقصود من الفوضي ، وتعرفنا أيضا أي فوضي يمكن أن تكون في صالح الكيان الصهيوني السرطاني . يقول : "  يبقي هاجسنا الأكبر هو الفوضي فهذه حال بضع دول في منطقة الشرق الأوسط . هناك الفوضي الباكستانية ، وكان هناك في الماضي فوضي عرفاتية . وعلي الرغم من تقويمنا لهذا النظام أو ذاك ، نخشي من أن تكون الفوضي التي عاشها العراق في السنتين 2004 و2005 نموذجا لما يمكن أن يحدث في ليبيا ، أو اليمن ، أو بلاد أخري . مرة أخري ، إذا عمت الفوضي في اليمن ، فإن في وسعنا ، من منظور إسرائيلي ، التعايش معها . لكن ، إذا أصبحت سورية بؤرة فوضي ، وأصبحت الصواريخ والأسلحة الكيميائية في متناول الفصائل أو الإرهابيين ، ستكون تلك مسألة خطيرة لا يسعنا تجاهلها . " (24) يبدو واضحا أن "يادلين" يري أن مقاومة الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات فوضي وليست مقاومة ، وكأن مقاومة المحتل والمستعمر فوضي ، هذه إذا الفوضي من منظور "يادلين" . وفي نفس الوقت ما جري في العراق 2004 – 2005 م فوضي ، ولكنه لا يبين من المسؤول عن فوضي العراق كما لم يبين من المسؤل عن مقاومة الرئيس الشهيد عرفات ، ومعلوم للجميع أن المسؤل في كلا الحالتين هم الأمريكان والصهاينة . والأمريكان هم كذلك المسؤلون عن ما يزال يجري من فوضي في باكستان . وهو يشير إلي فوضي باكستان يعدها من ضمن دول الشرق الأوسط ، الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وليس الشرق الأوسط القديم . وما أشار إليه "يادلين" هو ما ترمي إليه الصهيوأمريكية العالمية ، وهو إعادة تقسيم الشرق الأوسط مرة أخري مع العلم أن المرة الأولي قسم فيها الشرق الأوسط بموجب إتفاقية سياكس بيكو المشأومة عام 1916 م .
     ويوصي "يادلين" في ختام محاضرته الكيان الصهيوني بالقيام ببعض الأعمال حتي تمكنه من المحافظة على وجوده في هذه المنطقة التي يصفها بـ " الجوار الخشن" . ولا أدري من الخشن : هل الكيان الصهيوني المحتل والمستعمر لفلسطين العربية أم العرب ؟! . بالطبع ، الكيان الصهيوني هو الكائن السرطاني الهمجي المستعمر لفلسطين العربية .
ويوصي "يادلين" أيضا بوضع سياسة استباقية صهيونية تقوم على الصمت التام تجاه كل ما يجري في العالم العربي ، وضبط النفس وعدم الرد علي أي استفزازات عربية . يقول : " أعتقد في الحالة الراهنة ، خلافا لآخرين كثر ، أن علي إسرائيل بلورة سياسة استباقية (proactive) ، وفي هذه الحالة بالذات ، عليها تبني استراتيجيا سلبية : لا تدخل ولا تشويش ! بل التزام الصمت ، وترك العالم العربي يعالج قضاياه . علي إسرائيل ألا تكون حاضرة هناك ! ينبغي أن نكون في غاية الحرص ، أكثر مما كنا خلال الأعوام الخمسة المنصرمة ، في ردنا علي الاستفزازات . ولن يكون حكيما أن ننساق إلي محاولة البعض تحويل الأنظار عن القضايا الحقيقية للمجتمعات العربية ، وتصويبها في اتجاه إسرائيل . " (25) وهذا ما فعله "نتن ياهو" رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية حيث أصدر أمرا لجميع وزرائه الصهاينة بعدم الإدلاء بأي تصريحات بالمطلق تجاه ما يجري في العالم العربي . ويستطرد "يادلين" في وضع خططه بأنه إذا تم استفزازهم  لدرجة كبيرة فعليهم أن يكون ردهم مدروسا بعناية فائقة جدا . ويجب وضع الخطط الاستراتيجية وفق هذه المستجدات علي المدي الطويل سواء في حال نشوب حرب أو في حال مفاوضات للسلام . (26)
     ويري "يادلين" أنه يجب على الكيان الصهيوني أن يتعامل مع محيطه سواء حلت مشاكله أو استمرت في التفاقم ، ويري أن من الضروري وضع إيران في قمة جدول مشاكل الكيان الصهيوني .
النتائج والتوصيات :