الجمعة، 8 مايو 2020


أفلاطون : سعادة الشعوب فى ظل حكم الفلاسفة
     يعد الفيلسوف اليوناني أفلاطون من أكبر وأشهر الفلاسفة قاطبة ، ولقد أرسي أفلاطون مبادئ كثيرا من العلوم والأفكار مازال لها تأثيرها على البشر حتى اليوم ، ومن بين الموضوعات التى أثارها أفلاطون فى محاوراته فلسفة السياسة أو قل فلسفة الحكم التى نظر وقعد لها ، وما تزال لأفكاره السياسية أثرا كبيرا على الكتاب والمفكرين فى هذا الحقل ، بل أن بعض السياسيين مازالوا يرددون أفكاره السياسية على المستويين النظري والعملي .
     ومن الأفكار السياسية التى طرحها أفلاطون فى محاوراته خاصة محاورة " الجمهورية " أنظمة الحكم أو قل أنواع الحكومات ، ففى مدينته الفاضلة جعل على رأس الحكم الفلاسفة الذين يديرون الدولة وفقا للحكمة والعقل ، وهذا هو نظام الحكم المثالي من وجهة نظر أفلاطون فهو يعتمد - كما ذكرنا سابقا -  الحكمة والعقل فى إدارة شؤون الدولة والشعب ، وهذا ما لا يوجد فى أنظمة الحكم الأخرى بسبب عدم اعتماد حكامها عل الحكمة والعقل فى إدارة شؤون بلادهم بل أنهم يعولون إما على القوة الغضبية أو الديمقراطية أو الطغيان والاستبداد . ولقد عرفنا أفلاطون مختلف أنواع الحكومات الأخرى وبين سلبياتها  .
     فالحكومة الأرستقراطية الحربية تحل فيها القوة الغضبية محل القوة العقلية ، ويتولى الحكم فيها رجال يغلب عليهم طلب الحماس للحرب ويتطلعون للمجد الحربي ، وما يلبث هؤلاء الحكام أن يسعوا وراء الثراء بديلا للمجد العسكري ، وبالتالي يصبح الحكم فى يدي الأقلية الثرية أو حكومة الأوليجاركيه .
     وفى ظل حكومة الأقلية الثرية يصبح الكل عبيدا للثروة ، وما تلبث الدولة أن تنقسم إلى قسمين الأول : فئة قليلة تتركز فى يديها الثروة ، والثاني فئة كبيرة فقيرة ولكنها الأقوي وتمتلك القسط الأكبر من الفضيلة ، وعندما يحدث بين الفئتين صراع تكون الغلبة فيه للأغلبية الفقيرة وعندئذ تستولي على الحكم ، ومن ثم تنادي بالمساواة بين جميع أفراد الشعب ، ويطلق أفلاطون على هذا النظام حكم الشعب أو الديمقراطية .  
     ولا تقبل حكومة الديمقراطية على المال فحسب بل أنه تسعي وراء كل الشهوات والملذات بطريقة فوضوية ، فلا يوجد أدني نظام فى هذه الحكومة ، ومن بين الآليات التى تستعملها فى إدارة شؤون الحكم نظام القرعة فى توظيف أفراد الشعب فى داخل دواوين الحكم وأروقته ، ولما كان كل شيء جائز فى نظام الحكم الديمقراطي ، فإن أفلاطون يري أن نظام الحكم الديمقراطي تتسرب إليه الفوضي بسهولة ويسر شديدين . وبسبب هذه الديمقراطية ، وتحت شعار الحرية ، ونظرا إلى اطلاق العنان لكل الشهوات فى ظل هذا النظام الديمقراطي ، يصاب النظام الديمقراطي بالانحلال ويتحول إلى نظام حكم استبدادي قائم على الطغيان .  
     ومن وجهة نظر أفلاطون أن أسوأ أنواع الحكم هو حكم الطغاة والمستبدين والدكتاتوريين ، فيري أنه كلما زادت الحرية فى داخل الدول فإن العبودية فى تزايد أيضا ، فالمستبد تسيطر عليه شهواته وملذاته ، مما يترتب عليه ظلمه لشعبه ،  بالنتيجة فإن الشعب لا يجد أمامه سوي الثورة فى وجه الطاغية المستبد ، فظلم الطاغية المستبد ينشر الخوف ، والفزع ، والكأبة ، والشقاء ، والحزن ، وضيق العيش بين أفراد الشعب مقابل العدل والانصاف فى ظل حكم الفلاسفة يكون أثره عظيما على أفراد الشعب ، حيث ينتشر بينهم الأمن ، والأمان ، والطمأنينة ، والرخاء ، وسعة العيش ، والسعادة . ولذلك فمن وجه نظر أفلاطون أن النظام المثالي للحكم هو النظام الذى يقوده الفلاسفة نظرا لإيجابياته الكثيرة على البلاد والشعوب مقابل أنظمة الحكم الأخرى التى عرض لها فى " جمهوريته " فإنها لا تصلح ألبتة فى إدارة شؤون الدول والشعوب بسبب كل ما يعتريها من السالبات سالفة الذكر .