دعا الباحث والأكاديمي أ.د. حسن كامل إبراهيم إلى أن ننظر إلى صناعة الفلسفة - كما أطلق عليها فيلسوف العرب الأول الكندي - نظرة جديدة، فالفلسفة الآن يتعاطى معها أهل الغرب بوصفها مشروعاً أيديولوجياً واستراتيجياً، فالمستشرقون طوروا أدواتهم وأهدافهم واستراتيجياتهم فيما يتعلق بصناعة الفلسفة وأضاف خلال حواره لـ «الرياض» على هامش مشاركته ضمن ضيوف مهرجان الجنادرية لهذا العام، إذا أردنا العودة مرة أخرى لكي نساهم في بناء الحضارة الإنسانية فعلينا بالعلم بمختلف فروعه، فمن الضروري تأسيس أجيال جديدة من الشباب العربي والمسلم ليتعاطى مع العلوم الطبيعية المختلفة عن الفلسفة والعلم والتراث كان هذا الحوار معه:* هل لك أن تقدم لنا صورة مقربة لواقع الفلسفة في عالمنا العربي والإسلامي اليوم؟
  • الفلسفة كلمة يونانية ظهرت حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، ويقال إن أول من استعمل هذه اللفظة هو الفيلسوف اليوناني سقراط، ويقال إنه الفيلسوف اليوناني فيثاغوس، والفلسفة هي محبة الحكمة. والفلسفة في تلك الآونة كانت أما للعلوم بأسرها، واذا كان هذا هو المعنى الكلاسيكي القديم للفلسفة إلا أننا اليوم خاصة بعد انفصال العلوم عن الفلسفة على أيدي العرب والمسلمين نجد أن الفلسفة تعد وجهة نظر تجاه الحياة، والكون، والإنسان. وتدرس الفلسفة في أقسام خاصة بها تسمى " أقسام الفلسفة " في كليات الآداب والتربية الكائنة في جامعاتنا في العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة إلى ما يسمي بـ " أقسام الفلسفة الإسلامية " في كلية دار العلوم بمختلف فروعها، إلى جانب أنها تدرس أيضاً في كليات الدراسات العربية والإسلامية وكليات أصول الدين تحت العديد من المسميات. ويقوم على تدريسها أعضاء هيئة تدريس كل متخصص في فرع من فروع الفلسفة. وذلك يعني أن الجامعات تقتصر على تعليم وتدريس فروع وعصور الفلسفة المختلفة والمتنوعة. ويلاحظ على ذلك أن مقررات الفلسفة تدريس من منطلق أنها علم من العلوم لا علاقة لها بالعقيدة الإسلامية باستثناء أن بعض الأقسام العليمة تدرسها في ضوء العقيدة الإسلامية لأن الفلسفة تناقش كثيراً من القضايا التي توجد في العقيدة الإسلامية، ولذلك تدرس قضايا الفلسفة في ضوء العقيدة الإسلامية للتنبه على ما يوجد فيها من مخالفات عقدية.
أما التعاطي مع الفلسفة كمشروع أيديولوجي واستراتيجي فنجد ذلك موجود في مراكز البحوث الأيديولوجية والاستراتيجية أو قل في " خزانات الفكر أو مراكز الأدمغة: "Think Tank"، وهذا أمر نادر أن نجده في العالمين العربي والإسلامي. مثال ذلك في أميركا يوجد مركز يسمي "مركز ألبرت آينشتين"، وهو خزان كبير وعميق للفكر مديره هو الفيلسوف الأميركي "جين شارب: Gene Sharp "، وهذا الفيلسوف الكبير وظف الفلسفة لخدمة الأهداف الصهيوأميركية من خلال ما أطلق هو عليه ما يسمي بـ" ثورات الربيع العربي "، وهذا موضوع طويل يحتاج لمزيد من اللقاءات، وهو:
  • ما علاقة الفلسفة بما يسمي بـ" ثورات الربيع العربي "؟.
  • فمن وجهة نظري العالم الغربي يسير وفق أجندة أيديولوجية واستراتيجية عمادها المذاهب الفلسفة المعاصرة، ولذلك التعاطي مع الفلسفة بات ضرورة لمعرفة العالم الغربي. ولن يكون ذلك إلا بتأسيس علم الاستغراب. وهذا موضوع آخر يحتاج للعديد من اللقاءات.
  • ما الضروري الذي تعتقده لإعادة تشغيل حركة الإبداع للحضارة العربية والإسلامية؟
  • من وجهة نظري المتواضعة أننا إذا أردنا العودة مرة أخرى لكي نساهم في بناء الحضارة الإنسانية، فعلينا بالعلم بمختلف فروعه، فمن الضروري تأسيس أجيال جديدة من الشباب العربي والمسلم ليتعاطى مع العلوم الطبيعية المختلفة، أيضاً نعيد هيكلة جامعاتنا حيث يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، وندشن مراكز بحوث علمية لمختلف فروع العلوم: الطب، والهندسة، والزراعة، والصيدلة،،.. إلخ. وأن يقوم عليها جماعة من العلماء والاختصاصين في هذا المجال، وأن تقوم على الجدية والنظام المحكم. حتى نتوقف عن التبعية العلمية للغرب فننتج خبزنا، ونصنع دواءنا، وغيرها من احتياجاتنا المعيشية. وعندئذ نتوقف عن التبعية العلمية للغرب.
  • هل استطاع المهتم بالفلسفة أن يؤسس له موطئ قدم في المشهد العام؟
  • الواقع الأيديولوجي الذى نعيشه في بلداننا العربية يشير إلى أن العاملين في صناعة الفلسفة - كما نعتها الكندي فيلسوف العرب الأول - ليس لهم دور على المسرح الأيديولوجي والاستراتيجي إلا نادراً، فلم نسمع أن صانع قرار هنا أو هناك استعان بمن هو اختصاصي في صناعة الفلسفة ليحصل منه على استشارات أيديلوجية واستراتيجية، لم نسمع عن مؤسسة من المؤسسات التابعة لدولة ما تعاطت مع خبير في صناعة الفلسفة في قضايا تتعلق بها. ولما نشاهد في وسائل الإعلام اختصاصيين في صناعة الفلسفة حللوا قضية ما أيديلوجية أو استراتيجية. أنظر إلى المثل الذى سقته سابقاً عن الفيلسوف الصهيوأميركي "جين شارب" الخبير في صناعة الفلسفة قاد ما يعرف بـ " الثورات الملونة " في أوربا الشرقية ثم ما يسمي بـ" ثورات الربيع العربي ". أنظر أيضاً إلى المستشرق الصهيوأميركي برنارد لويس الاختصاصي في صناعة الفلسفة صاحب خريطة الشرق الأوسط الجديد، والمتخصص في الاستشراق. هؤلاء الناس استثمروا الاختصاصين في صناعة الفلسفة أيما استثمار أما نحن فلا نستفيد من الخبراء في صناعة الفلسفة.
  • وكيف ترى مستقبل الفلسفة قياساً على الفضاء الثقافي العربي اليوم؟
  • إذا رجعنا إلى الخلف إلى بدايات القرن العشرين ونظرنا إلى منتصفه ونهايته والوقت الراهن سنجد أن صناعة الفلسفة، وكونها مشروعاً أيديولوجياً واستراتيجياً على غرار ما يفعل أهل الغرب، سنجد أننا لم يطرأ علينا جديد. في معاهدنا العلمية كما نحن ما زلنا في نفس المربع لم نحرك ساكناً وفى مراكزنا العلمية - إذا وجدت - نفس الأمر، فلا مستقبل للفلسفة في الفضاء الثقافي العربي طالما نسير على نفس البيروقراطية الأيديولوجية والاستراتيجية. أخيراً إذا وضع الأيديولوجي والاستراتيجي المتخصص في صناعة الفلسفة في المكان المناسب له فإنه يتمكن من المساهمة في النهوض بهذه الأمة مع فريق عمل متخصص. وإذا استمرت هذه الفوضى الأيديولوجية والاستراتيجية فمن وجهة نظري سنظل بعيدين عن فهم الواقع وبناء المستقبل، وسنستمر في مشاكلنا الأيديولوجية والاستراتيجية.
  • مارأيك بالتغني بالماضي وإهمال المستقبل خاصة اذا كان البحث في الماضي يستهدف الآخرين ويقلل من قيمتهم ولا يستلهم العِبر؟
  • طبعاً معرفة التراث مسألة مهمة جداً، فإنسان بلا تراث أو ماض إنسان بلا مستقبل، أنظر للجنادرية تعرفنا تراثنا العربي والإسلامي لنستفيد منه في فهم الحاضر وبناء المستقبل، وليس لتقديس هذا التراث أو لاستخدامه كمرجعية أيديلوجية لاستهداف الآخرين. هذا يكون سبيل قصار النظر. فنحن نفخر بتراثنا، هذا الماضي التليد الذى نقدره ونحترمه ونستفيد منه في فهم الحاضر وبناء المستقبل...
أخيراً ومن خلال صحيفة "الرياض " أتمنى أن ننظر إلى صناعة الفلسفة - كما أطلق عليها فيلسوف العرب الأول الكندي - نظرة جديدة، فالفلسفة الآن يتعاطى معها أهل الغرب بوصفها مشروعاً أيديولوجياً واستراتيجياً، فالمستشرقون طوروا أدواتهم وأهدافهم واستراتيجياتهم فيما يتعلق بصناعة الفلسفة. ومن وجهة نظري المتواضعة من الضروري أن نتعلم منهم كيف ندير هذه الصناعة الأيديولوجية والاستراتيجية ليس لتحقيق أهداف الغرب لتدمير الشعوب، بل لفهم الغرب وذلك لن يكون إلا بتأسيس علم الاستغراب. ولذلك من هذا المنبر أتمنى أن تتبنى قيادة المملكة العربية السعودية تأسيس خزان للفكر أو مركز للأدمغة لتدشين علم الاستغراب الذى سينفتح على صناعة الفلسفة وكل ما هو أيدلوجي واستراتيجي غربي.