الجمعة، 8 مارس 2013

الصراع في مصر (2)

حياكم الله
الصراع في مصر (2)
إذا أردنا الحديث عن الصراع الأيديولوجي على أرض مصر فلهذا الصراع تاريخ طويل حافل بالمواجهات الفكرية الساخنة وهذا لا يخفي على الجميع . فمصر منذ فجر الضمير وهي تموج بالعديد من الصراعات الأيديولوجية . ولقد شهد مطلع القرن العشرين الكثير من هذه الصراعات . ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما جري بين زعماء الاتجاه التغريبي والذين يدعون إلي العودة إلي الإسلام . ومن صور ذلك الصراع الأيديولوجي ما دار بين الدكتور طه حسين يرحمه الله : الذي كان يدعو إلي تغريب مصر حتى النخاع والأستاذ حسن البنا يرحمه الله مؤسس جماعة الإخوان المسلمين . وتبدو صورة هذا الصراع بين الطرفين في الرسالة التي أرسلها الثاني إلي الأول . التي أكد فيها الثاني علي الدعوة إلي العودة إلي الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة في خلافه مع الطرف الأول . ويبدو من الرسالة أن الأستاذ البنا يرحمه الله لم يعتبر الدكتور طه حسين يرحمه الله خصما لدودا بل صديقا متوقع منه الخير الكثير للإسلام والمسلمين وخاصة المصريين ذلك الشعب الكريم . ويبدو من الرسالة ما يتمتع به الأستاذ البنا يرحمه الله من لين وهوادة في الحوار ، ويظهر من الرسالة أيضا أنه يحاول جادا استعادة الدكتور يرحمه الله إلي دار الإسلام بمنتهي الرفق واللين . إن الأستاذ البنا يرحمه الله في هذه الرسالة يوضح ويبين للدكتور طه حسين يرحمه الله بأدب جم كيفية الدفاع عن الإسلام . وينبهه إلي الطريقة المثلي في توضيح الإسلام الصحيح للآخرين وبذلك يكون وبحق من أفضل الدعاة إلي الإسلام . وينبهه بخلق رفيع إلي الأخطاء التي يرتكبها في حق الإسلام بدعواته التي ليست من الإسلام في شيء . ويذكره الأستاذ البنا يرحمه الله بأن الدنيا زائلة وأن الحياة الأخروية هي الحياة الحقيقية والباقية حيث الحساب والثواب والعقاب ، ويذكره كذلك بأنه على كل مسلم أن يعمل لحياته كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا ، والأستاذ البنا يرحمه الله في هذا كله يعرف تماما قدر الرجل فهو أستاذ جامعي ، و له العديد من الحواريين . ويعرف له أيضا ثقله في دنيا الثقافة والفكر ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي قاطبة . ويتضح من الرسالة أن الأستاذ البنا يرحمه الله يكن كل احترام وتقدير لقامة وقيمة د.طه حسين يرحمه الله . إن هذا الأسلوب الراقي في الاختلاف الأيديولوجي من قبل الأستاذ البنا يرحمه الله يدل على احترامه الشديد لمن يختلف معه في الحوار والمرجعية الأيديولوجية . فلا سباب ، ولا شتائم ، ولا تجريح ، ولا يقترب من شخص محاوره أبدا بل الحوار الأيديولوجي يركز فيه الأستاذ البنا يرحمه الله علي الفكرة لا غير .   
هذا هو أسلوب الأستاذ حسن البنا يرحمه الله في الحوار مع المخالف ...

ولذلك قال د. طه حسين : ليت أعدائي مثل حسن البنا في نقده البنَّاء.

فهل من مستمع ، هل من مجيب ؟!  
رسالة الأستاذ حسن البنا يرحمه الله إلى د. طه حسين يرحمه الله :                                           
      كان أتباع الدكتور طه حسين من طلاب كلية الآداب في الجامعة المصرية قد أرادوا تكريمه فأقاموا له حفلاً، أعلن فيه سعادة الدكتور بأنه نصير الإسلام ، وقال : إنني أتمنى أن يقيض الله للإسلام من يدافع عنه كما أدافع عنه ، وأن ينشره ويحببه للناس كما أنشره أنا وكما أحبب مبادئه للناس . فكتب له فضيلة المرشد قائلا : إذا صح ذلك يا دكتور فقد اتفقنا كل الاتفاق ، واعتبرنا أيها الداعية المسلم من جندك منذ الساعة ، فإنا للإسلام نعيش ، وله نحيا وفي سبيل الدعوة إليه نموت شهداء . صدقني يا دكتور طه من غير أن أقسم لك ، وإن شئت فأنا أقسم على هذا ، أنني لأتمنى من كل قلبي مخلصاً أن أرى ذلك اليوم الذي تدعو فيه أنت للإسلام وتنشره بين الناس وتحبب تعاليمه إليهم . فإنك رجل جريء ، لك قلم ولك لسان ولك تلامذة معجبون وأصدقاء مخلصون ، وفيك دأب ونشاط وإنتاج خصيب ، وما نحسدك على هذا ولكنا نتمنى أن يكون ذلك في ميزان الإسلام لا عليه وفي كفة الخصومة له وتوهين أمره بطريق غير مباشر ، فهل يجيء حقاً ذلك اليوم ؟! أسألك يا دكتور مخلصاً لا متحدياً لأتعنت . إن لك تلامذة قد اختصصت بهم واختصوا بك ، فأيهم ظهر أثر دعوتك فيه ، فكان لسانا إسلاميا ، أو قلما إسلاميا ، أو صفحة من صفحات الفكرة الإسلامية ، أو مظهراً من مظاهر التمسك بالإسلام ؟ !وإنك قد ساهمت في خدمة كثير من القضايا الاجتماعية ، وحضرت كثيراً من الأحفال والمؤتمرات في داخل القطر وخارجه ، ففي أي من هذه جميعاً نطقت باسم الإسلام أو دعوت إلى تعاليمه ؟ .                                   !
     وأنت يا دكتور أستاذ في الجامعة المصرية منذ أنشئت ، فأنشدك الحق : هل تذكر أنك عرضت في دروسك ومحاضراتك لطلبتك ما يلفت أنظارهم إلى جلال هذا الدين وروعته ومتانة تشريعه ! هذا والمادة التي اختصصت بتدريسها ألصق مواد الدراسة بالإسلام وكتاب الإسلام ؟! ولا أحرجك فأقول : وأنشدك الحق يا دكتور : أفتحيا أنت في حياتك اليومية على نمط إسلامي وتطبع أسرتك كرب بيت بهذا الطابع ، ودع البيت وما فيه ، أفتقوم أنت في حياتك الشخصية بواجبات الرجل المسلم ، فضلا عن الداعية الذي يتمنى أن يقيض الله للإسلام من يدافع عنه مثلك ؟! ولا أحرجك بهذا السؤال الأخير ، ولا أطالبك بجوابه ، فأنتم معشر العصريين تفرقون بين الحياة الشخصية والحياة العامة ، كأن واجبات الفضيلة وتعاليم الإسلام لا تتناولهما جميعاً ، وكأن الحياة العامة للفرد ليست مرتبطة بحياته الخاصة كل الارتباط ؟! وبعد يا دكتور طه : فهل من الدعوة للإسلام أن تعرض للنظر في القرآن بالأسلوب الذي اخترته لنفسك من قبل – ولعلك عدلت عنه من بعد وهو ما أسر له – حتى مع تسليم الدعوى بأن البحث علمي بحت !! وهل من الدعوة للإسلام أن تقف وقفتك المعروفة في شأن الكتابين الإنجليزيين ، وما كان عليك ولا على الجامعة ولا من حرية الفكر من بأس أن تستجيب لأبناء مؤمنين من تلاميذك رأوا في هذا الكلام طعنا في مقدساتهم، فلجئوا إليك بالطريق القانوني في هدوء وأدب ، أو ما كان أولى بالداعية إلى الإسلام أن يشجع هذه الغيرة ويسر لها ويعطف كل العطف على القائمين بها ؟! وهل من الدعوة إلى الإسلام أن تنادي في صراحة لا تعدلها صراحة : أنه لا سبيل لنا إلى الرقي إلا إذا قلدنا وسلكنا مسلك الأوروبيين ، لنكون لهم شركاء في حضارتهم خيرها وشرها ، حلوها ومرها ، نافعها وضارها ، ما يحب منها وما يكره ، وما يمدح منها وما يعاب ، ومن زعم لك غير ذلك فهو خادع أو مخدوع!!  ولعلك تقول كما تقول : إنما أريد الدعوة إلى العلم وإلى القوة وإلى الخلق وإلى النظام ، وهذا حسن جميل ، ولكن أفترى أن الإسلام لم يسلك المسلمين السبيل إليه قبل أن تخرج أوروبا من ظلمات جهلها بمئات السنين ؟ فلم تدعونا إلى العلم والقوة والخلق والنظام باسم أوروبا الناشئة المتخبطة ، ولا تدعونا إلى ذلك باسم الإسلام الثابت الدعائم الراسخ الأركان ؟! وهل من الدعوة إلى الإسلام أن تخلط يا دكتور بين الفتيان والفتيات هذا الخلط في كلية الآداب ، فتحذو حذوها غيرها من الكليات ، وتبوء أنت بإثم ذلك كله ؟! وتزين للفتيات في صراحة هذا الاختلاط ، وتحثهن عليه ، وتدعوهن إليه ! ولا تقل إن هذا من عمل غيرك .. وما تحمس لهذا ودعا إليه وحمل لواءه واستخدم نفوذه في تحقيقه أحد كما فعلت ذلك أنت !! ولعلك تعتبر هذا من مآثرك ومفاخرك ، ولكني أخالفك يا دكتور، وأصارحك بأن هذا الاختلاط ليس من الإسلام ، وقد رأينا وسنرى ما سيكون له من آثار !! هذه صحيفتك يا دكتور طه في الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه ، فهل لا تزال بعد هذا الحساب اليسير غير العسير الذي لا مناقشة فيه ولا قسوة ولا عدوان ، مصراً على أن يقيض الله للإسلام من يدافع عنه كما تدافع عنه ، ومن ينشره ويحبب تعاليمه إلى الناس كما تفعل ؟! على أننا على استعداد لأن ننسى الماضي جميعه ، ونأخذ في جديد مثمر منتج على الأساس الذي وضعته أنت وارتضيناه نحن : أن تثبت في نفوسنا مكانة الإسلام ، وأن تدافع عنه ، وأن تنشر تعاليمه ، وأن تحببه للناس . وعلى أن يكون هذا الإسلام هو كتاب الله كما تفسره اللغة العربية الواضحة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة كما فهمها السلف الصالحون رضوان الله عليهم . فهل يضع الدكتور طه يده في يدنا على هذا الأساس ، ثم نعاهد الله جميعاً على أن نكون أمناء له مخلصين له مجاهدين في سبيله ؟! وكلمة أخيرة يا دكتور: لقد قلت – وهو قول حق -: إن حياتنا موقوته ، وكل ما فيها موقوت ، وإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يسترد المنحة التي منحها لنا وهي الحياة في أي لحظة ، وهو قادر على أن يسترد ما يمنحنا أثناء الحياة . ما أجمل هذا الإيمان !! أذكرك هذه الكلمات ، وأذكرك أنك الآن رجل قد جاوزت سن الآمال الخلّب وصرت إلى الآخرة أقرب ، وأسأل الله أن يطيل حياتك خادماً مخلصاً للإسلام ، وإن هذا الشعب شعب كريم طيب القلب سرعان ما تنسيه الحسنة الواحدة كثيراً من السيئات . وإن الله تبارك وتعالى واسع المغفرة عظيم الفضل عفو كريم ، فلا عليك يا دكتور إلا أن تختم المطاف بتوبة صادقة نصوح ، وأن تتجرد للإسلام ولخدمة الإسلام ولنشر الإسلام ولتحبب تعاليمه بحق إلى الناس ، فتفوز بخير الدنيا وسعادة الآخرة . ذلك ما نرجوه منك ولك ، وقلوب الناس بيد الله يصرفها كيف يشاء ، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام . والسلام عليكم ورحمة الله .
كتاب "حسن البنا.. الداعية الإمام والمجدد الشهيد" للأستاذ أنور الجندي ص 314-317 نشر دار القلم – بيروت (1978(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق