الاثنين، 7 مايو 2012



صحيفة الحياة السعودية


هل الفلسفة قاطرة النمو والحرية والديموقراطية؟!
الأحد, 11 ديسيمبر 2011
حسن كامل إبراهيم
منذ انتشر تقرير منظمة اليونسكو للعلوم والتربية والثقافة في «الشبكة العنكبوتية» من فترة وجيزة عن الفلسفة، وقد لاحظنا المقالات تُنشر هنا وهناك عن الفلسفة. فما القصة؟ القصة أن المنظمة الأممية أصدرت تقريرها الأخير عن تدريس الفلسفة واستشراف مستقبلها باللغتين الإنكليزية والفرنسية، ثم أصدرت له ترجمة عربية، بفضل الدعم المالي السعودي لتعزيز اللغة العربية في منظمة اليونسكو. وأتى التقرير تحت عنوان «الفلسفة مدرسة للحرية»، ومنذ انتشر هذا التقرير أخذ كثير من الكتّاب يتكلمون عنه مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وخلاصة التقرير أن الفلسفة هي طوق النجاة للعالمين العربي والإسلامي للخروج من حال التردي العامة بكل مستوياتها: السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، إلخ، إلى حال التمدن الحضاري بكل أشكاله. وكأن الفلسفة هي الوسيلة السحرية لخروجنا من مأزقنا الحضاري بأشكاله كافة... والسؤال هل التقدم الحضاري والعلمي والتكنولوجي الذي نراه ونسمع عنه في أوروبا وأميركا كله حدث ولا يزال يحدث بفعل الفلسفة؟ هل ما نراه في أميركا وأوروبا اليوم من ديموقراطية وحرية تمارس على الأرض في كل مدن أميركا وأوروبا بفضل الفلسفة؟ إذا كان الأمر كذلك فمن الضروري أن نقف جميعاً - من عامة ومثقفين ومتعلمين - أمام الفلسفة ونرفع لها أيدينا لنحيها على هذا الإنجاز الضخم وغير المسبوق الذي أحدثته في الدول المتقدمة. على كل حال من الضروري علينا الآن إذا كان هذا هو الدور الحقيقي للفلسفة ليس في ثقافتنا المعاصرة فحسب، بل في كل مناشط الحياة، أن نعيد النظر في كل مجالات حياتنا ونجعل الفلسفة فاعلة كل الفاعلية فيها مادامت هي التي أنجزت كل هذا الإنجاز في حياة الغرب المتمدين والمتحضر والمتقدم. ينبغي علينا أن نأخذ برأي هذا النفر من المثقفين الذين بينوا لنا وبرهنوا كذلك على مدى جهوزية الفلسفة لنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة.
إن تقرير المنظمة الأممية يشتمل على الكثير من المعلومات والإحصاءات التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أن الفلسفة مدرسة ليس لنمو وتنمية مجتمعاتنا العربية فحسب، بل هي كذلك الآلية الوحيدة لنشر الحرية والديموقراطية في العالمين العربي  والإسلامي على غرار ما جرى ويجري الآن في العالم الغربي.
أقول إن تقرير المنظمة الأممية يشير بكل صراحة ووضوح إلى أن «الفلسفة مدرسة للحرية»، وإذا صغنا هذا العبارة بطريقة منطقية أرسطية فالأمر سيكون على النحو الآتي:
- كل دولة تدرس الفلسفة يتمتع شعبها بالحرية. (1)
- الدولة (أ) تدرس الفلسفة. (2)
- إذاً الدولة (أ) يتمتع شعبها بالحرية.
- هذه النتيجة الأرسطية صادقة لأنها تتفق مع المقدمتين (1) و(2).
هذه النتيجة صحيحة كما قال بيكون وديكارت على المستوى الصوري، لكن ليست صحيحة على أرض الواقع. لماذا؟ لأننا إذا نظرنا إلى بلاد اليونان التي ظهرت فيها الفلسفة نجد الشعب اليوناني منقسماً إلي قسمين أو قل إلى طبقتين : الأولي: طبقة السادة، والثانية: طبقة العبيد. الطبقة الأولى تتمتع بكل الحقوق مقابل الطبقة الثانية التي لا تتمتع بأي حق من الحقوق، ومقصور دورها على العمل لدى الطبقة الأولى فحسب. وهذه حقيقة تاريخية لا تحتاج للمناقشة أو التأويل أو السفسطة. وإذا كانت بلد المنشأ كذلك. فهل من المعقول أن البلاد التي ورثت ميراثها ستكون أحسن منها حالاً؟ ونظرة سريعة إلى الواقع الغربي الآن تؤشر على أن الحديث عن النمو والتنمية أكذوبة كبيرة، وكذلك الحال بالنسبة للحرية والديموقراطية. وإذا كان هذا هو واقع الحال في بلاد المنشأ قديماً والآن. فهل بعد كل ذلك يمكننا القول إن الفلسفة قاطرة للتحضر والتمدن؟
إن تقرير المنظمة الأممية يحوي بين دفتيه كثيراً من المعلومات التي تجانب الصواب عن الفلسفة ما يجعلنا نزعم أن النتيجة («الفلسفة مدرسة للحرية» وضعت سلفاً، وضعت لتصدر إلينا فحسب. إن التقرير تكلم عن تدريس الفلسفة في المملكة العربية السعودية، وأشار إلي أن الفلسفة لا تدرس ببلاد الحرمين الشريفين. ولكن واقع الحال ليس كذلك فللفلسفة نصيب من ساعات التدريس في الجامعات السعودية، فجامعة الملك سعود تدرس أكثر من 30 ساعة فلسفة ومنطق بين أروقتها على مدار الأسبوع. ولقد ورد ذكر بقية دول مجلس التعاون الخليجي في التقرير. إن المعلومات الواردة كافة في التقرير تحتاج لمراجعة شاملة.
و لذلك أهيب بوزير خارجية المملكة العربية السعودية بتشكيل خلية نحل من الاختصاصيين لتقوم بـ:
* مراجعة هذا التقرير بدقة وتمحيص واستخراج ما يوجد فيه من معلومات ليس لها نصيب من الحقيقة في ما يتعلق بتدريس الفلسفة في المملكة العربية السعود وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
* إعداد تقرير موازٍ لهذا التقرير الأممي يبين للجميع حقيقة الأمر.
* يسهم وزير الخارجية بذلك في تأسيس أول عملية استغراب تقوم بها جماعة من العرب والمسلمين.
* يدشن الوزير بذلك نواة أول مركز علمي ودولي لعلم الاستغراب ليس في إقليم الشرق الأوسط فحسب بل على مستوى العالم أجمع، ويكون هذا المركز العلمي الدولي ملحقاً بوزارة الخارجية السعودية، ويكون تحت إشراف مباشر من الوزير شخصياً. ويكون دور هذا المركز ليس رد الفعل فحسب بل الفعل كذلك، إذ يسهم ببحوثه ودراساته بمساعدة ولي الأمر في اتخاذ قراراته.
قسم الدراسات الإسلامية
كلية التربية - جامعة الملك سعود
أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق