الثلاثاء، 1 مايو 2012

قسم الثقافة الإسلامية – كلية التربية – جامعة الملك سعود يدرس الفلسفة بمراحلها المختلفة ... في ضوء الإسلام


قسم الثقافة الإسلامية – كلية التربية – جامعة الملك سعود
يدرس الفلسفة بمراحلها المختلفة ... في ضوء الإسلام
      لا ندري لماذا تتدافع المقالات هنا وهناك مطالبة – و بإلحاح شديد - بتدريس الفلسفة في مختلف مراحل التعليم في بلاد الحرمين الشريفين ، بعبارة أخرى نتساءل عن أسباب تلك الدعوة التي نلاحظها في كثير من الصحف العامة ؟ ! . و لعل السبب الرئيس الذي يدفع هذا النفر من الباحثين و الدارسين و الكتاب إلي تلك الدعوة أن الفلسفة - فيما يزعمون -  تفيد الشباب في الجامعات في التحاور على نحو أفضل ، و أنها تعينهم على فهم ما حولهم بطريقة صحيحة . و ذلك لأن الفلسفة منهج علمي ، و أنها تنظم التفكير ، و أنها ليست علم من أجل العلم بل أنها تلقي بظلالها على العلوم الأخرى ، تلك العلوم التي انبثقت من رحم الفلسفة . إن الفلسفة تساعدنا جميعا في فهم العالم من حولنا علي كافة المستويات ، إنها متغلغلة في كل شيء . و مع الأسف يوجد – على نحو ما يزعم هذا النفر- بعض من الباحثين و الدارسين الذين يعترضون على تدريس مقررات الفلسفة بحجة أنها تتعارض مع ثوابت الشريعة .
     هذه الدعوة التي يطرحها بعض النابهين من كتابنا ، هؤلاء الكتاب الذين لهم قدر كبير في حياتنا التعليمية و الثقافية ، و الذين يساهمون من خلال أطروحاتهم في تقدم الوطن تعليميا وثقافيا . نسوا أن تلك الدعوة محفوفة بكثير من المخاطر ، لأن الفلسفة بمقرراتها المختلفة من الضروري أن تدرس في ضوء الإسلام و لا تدرس من منطلق أنها مقرر مثل غيرها من المقررات بسبب أنها تشتمل على كثير من المفاسد و الضلالات التي يكون لها تأثير خطير على  العقائد و العقول  . على نحو ما أشرنا إلي ذلك بإيجاز شديد في مقال سابق نشر في جريدة الجزيرة الموقرة بتاريخ 3 / 4/ 1429 هـ / الموافق الأربعاء  9 / 4 / 2008 م . 
-    علي كل بالنسبة للقول أن الفلسفة ليست علم من العلوم بل أنها تلقي بظلالها علي العلوم . يمكننا القول أن الفلسفة ليست علما من العلوم بالفعل بل أنها أم العلوم ، فالفلسفة بمعناها التقليدي هي محبة الحكمة ، و طبقا لهذا التعريف فإنا تتضمن في جعبتها كافة العلوم ، وعندما تسلم المسلمون منارة المعرفة من أيدي اليونان انفصلت العلوم عن الفلسفة بفضل اكتشاف المسلمون مناهج البحث العلمي من استقراء و تجريب .
-         أما القول بأن الفلسفة منهجا علميا فلا أعتقد أن الفلسفة كذلك بالمطلق ، وهذا القول يعبر عن وجهة نظر شخصية ، و لم نسمع عن ذلك في أي من مؤلفات الفلسفة المتداولة بين أيدينا سواء كنا طلاب علم أو أساتذة في الجامعات و تخصصنا هو الفلسفة .
-    كذلك الزعم بأن الشباب القارئ و الدارس للفلسفة سيكون في تحاوره أفضل من الشباب الذي لا يقوم بذلك ، أتعجب من هذا الربط الغريب و العجيب بين الفلسفة و التحاور أو المحاورة ، لماذا هذا الربط ؟ ! . ولعل أحد القراء يختلف معي بحجة أن أفلاطون الفيلسوف اليوناني المشهور كتب كل مؤلفاته في صورة محاورات . علي الرغم من ذلك دعونا نسأل كم طالب في البلدان العربية المجاورة درس الفلسفة في مقرراته الدراسية ، و كم طالب منهم تمكن من التحاور بطريقة أفضل ؟ ! . و كم طالب منهم التحق بقسم الفلسفة عن اقتناع بنسبة مائة في المائة ؟ ! . أؤكد لك أيها القارئ العزيز عن تجربة شخصية من قلب هذا التخصص أن 99 % إن لم نقل 100 % التحقوا بهذا القسم بسبب المجموع فحسب . كذلك لم نجد من خريجي هذا القسم إلا نسبة ضئيلة جدا تجيد التفكير و هي تجيده قبل الالتحاق بهذا القسم و تنموا و تتطور مهارة التفكير عندها مع مرور الوقت . بل الأكثر من ذلك فأكثر من 99 % إن لم يكن 100 % من العلمانيين و الشيوعيين في مجتمعاتنا العربية من خريجي هذا القسم . بل أنني شاهدت بأم عيني من أقدم من دارسي هذا التخصص و خريجه على الانتحار بسبب ما تنطوي عليه الفلسفة من مفاسد وضلالات . بعد كل تلك المعلومات وغيرها كثير ، هل من الممكن أن ننادي بإنشاء أقسام للفلسفة في بلاد الحرمين الشريفين ؟ ! .
-    وأتساءل : لماذا لا نربط التحاور و المحاورة بالقرآن الكريم ؟ ! . ألم يرد في القرآن الكريم كثيرا من الآيات القرآنية التي تحض المسلم على التحاور ؟ ! ، أليس الحوار منهجا قرآنيا ؟ ! ، لماذا دائما نربط كثيرا من مفرداتنا الثقافية بالثقافة الغريبة و لا نربطها بثقافتنا الإسلامية ؟ ! . و من الآيات القرآنية الدالة على ذلك على سبيل المثال لا الحصر : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء " [ البقرة / 30 ] ، " و إذ قال الله يا عيسي ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله " [ المائدة / 116 ] ، " قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات و الأرض " [ إبراهيم / 10 ]      
-    و بالنسبة لكون الفلسفة تساعدنا جميعا على فهم العالم من حولنا ، وأنها متغلغلة في كل شيء . أزعم أن الأمر مبالغ فيه جدا ، وأؤكد أن مسألة ربط التفكير بالفلسفة أمر لا نصيب له من الصحة . نعم التفلسف يعني التعقل كما أشار الفيلسوف اليوناني المشهور أرسطاطاليس في مؤلفه دعوة للفلسفة ، ولكن لا يعني ذلك أن التفكير لا ينفك عن الفلسفة ، وأن الإنسان الذي لا يتفلسف أو على أقل تقدير يدرس أو يقرأ الفلسفة لا يمكنه التفكير ، فهذا أمر مستحيل ، هذا الأمر فيه مبالغة في دور الفلسفة في حياة الإنسان. و أتساءل مرة أخرى لماذا لا نربط التفكير و التعقل بالقرآن الكريم و ليس بالمفردات الثقافية الغربية ؟ ! ، لماذا دائما نربط التقدم والرقي الثقافي و التعليمي خاصة والتقدم و الرقي عامة بكل ما هو غربي ؟ ! ، أهي ردة ثقافية أخري لبدايات القرن المنصرم . و من الآيات القرآنية الدالة على دعوة القرآن الكريم إلي التعقل و التفكر علي سبيل المثال لا الحصر : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " [ فاطر / 28 ] ، " يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أتي خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولي الألباب " [ البقرة / 269 ] ، " ما الحياة الدنيا إلا لعب و لهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون " [ الأنعام / 32 ]
-    و فيما يتعلق بتدريس مقررات الفلسفة ، فإنها تدرس بالفعل في بعض الجامعات السعودية ، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك ، ولكنها تدريس في ضوء الإسلام . و قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية – جامعة الملك سعود هو القسم الرائد في هذا المجال . فمن يراجع لائحة القسم يجد أن الفلسفة بمراحلها المختلفة تدرس في هذا القسم : الفلسفة اليونانية ، و الفلسفة المنتسبة للمسلمين ،أعني ما طرحه الفلاسفة المنتسبين للإسلام من فلسفة ، والفلسفة الحديثة و الفلسفة المعاصرة ، ويدرس إلي جانب ذلك المنطق الصوري الذي أسسه أرسطاطاليس واضع المنطق، و المنطق كما نعلم جميعا مدخل أو آلة للفلسفة . و المنطق الأرسطاطاليسي يضع لنا من خلاله أرسطاطاليس قواعد صورية لكي يكون تفكيرنا سليما على نحو صوري و ليس على نحو واقعي  ، و تناول هذا الأمر بالتفصيل يحتاج للمزيد و المزيد من المقالات . و يبدو ذلك من خلال المقررات التي يقررها القسم على طلابه ، و هي على سبيل المثال لا الحصر : 227 سلم ، 327 سلم ، 323 سلم ، و 423 سلم ، 224 سلم ،،،الخ . وتدرس كل هذه المقررات في ضوء الإسلام . و بالنسبة لمحتويات هذه المقررات و كيف تدرس في ضوء الإسلام ، أو ما هو موقف الإسلام منها فإن هذا الأمر يحتاج كذلك لمزيد من المقالات . 
-    و أما تعجب بعض الكتاب و دهشتهم من فئة من بني جلدتنا ترفض تدريس مقررات الفلسفة و استحداث أقسام لها في الجامعات السعودية ، فهذه الجامعات هي الوحيدة في جامعات العالم التي لا يوجد فيها أقسام للفلسفة بحجة أنها تطرح أسئلة تتعارض مع مقررات الشريعة . هل هو عيب فينا أننا نحب الإسلام و المسلمين و نخاف عليهم كذلك ؟ ! ، ألم يثبت لنا بالفعل أن الفلسفة عندما نشرت في ديار العرب و المسلمين قبل ذلك أحدثت كثيرا من المفاسد والضلالات ، و أن أضرارها أكثر من منافعها إن كان فيها منافع . و لقد اتضح لنا مما سبق أنها تدرس في بلاد الحرمين فعلا و لكن في ضوء الإسلام ، لماذا إذا تستحدث أقسام للفلسفة في بلاد الحرمين ؟ ! ، هل المطلوب هو تدريسها بعيدا عن الإسلام ؟ ! ، ماذا يريد هؤلاء الذين يروجون لها علي صفحات الجرائد . نعم ، تطرح الفلسفة أسئلة ميتافيزيقية فوق قدرة وطاقة العقل البشري ،  فالعقل المتفلسف لا سقف له على الإطلاق ، فالمتفلسفة يتركون الحبل على الغارب لعقولهم تصول و تجول كيفما تشاء . أما الإسلام فقد جعل للعقل البشري حدود ليحافظ عليه من التخبط بين النظريات الفاسدة و المفسدة ، أليس في ذلك راحة و فائدة للإنسان أم أن الإنسان يبحث – كعادته – عن ما هو ليس في قدراته ، ألم يكتمل الدين ؟ ! ، أليس في هذا الدين الهداية ؟ ! ، أليس هذا الدين دين الفطرة ؟ ! ، ألم ينظر هؤلاء الدعاة للفلسفة إلي تلك الأعداد الغفيرة في أمريكا و أوروبا التي تعلن اعتناقها للإسلام كل يوم رغم حملات الإساءة المتتابعة علي خير الأنا م و الرحمة المهداة رسولنا صلي الله عليه وسلم ، ألم يعش هؤلاء مع الفلسفة و مذاهبها سنين عديدة و لم تشبع عقولهم و أنفسهم و عندما عرفوا الإسلام وجدوا فيه الراحة والطمأنينة العقلية و النفسية . و إني لأتعجب كثيرا أمام ذلك فالآخر يجد راحته العقلية و القلبية في الإسلام و هو ليس بين يديه و نحن نبحث عن التخبط العقلي و المتاهات الميتافيزيقية رغم أن الإسلام بين أيدينا ؟ ! .
-    أما القول بأن ثوابت الشريعة تتعارض مع مبادئ الفلسفة فإن ذلك الأمر يذكرنا بعناوين كتابين : الأول : " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال " من تأليف ابن رشد  الذي حاول فيه التوفيق بين الفلسفة و الإسلام ، و الثاني : " درء تعارض العقل مع النقل " من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه الذي بين فيه أن العقل السليم لا يتعارض مع الإسلام . و مناقشة هذا القضية تحتاج لموضع آخر لمناقشتها .           
     و من هذا المنبر نناشد  الذين يتناولون الفلسفة بالقيل و القال أن يكونوا من المتخصصين في هذا المجال ، لأن أهل مكة أدري بشعابها ، و نقول أن الانبهار بالفلسفة ليس وليد الساعة بل أن تاريخنا الإسلامي يبين لنا أن نفر من الآباء و الأجداد انبهر بالفلسفة فأحدثوا في ديار الإسلام كثيرا من الضلالات و المفاسد ، فليس من الإسلام أن نفعل ذلك ببلاد الحرمين الشريفين ، وبدلا من أن نضيع أوقاتنا في هذا الحديث الضار بنا و بشبابنا علينا أن نوجه طاقاتنا لنشمر عن سواعد الجد لنعمل سويا من أجل رفعة راية لا إله إلا الله محمد رسول الله . وأما إذا استمر هذا  النفر في الترويج للفلسفة بعد كل ذلك ، نقول لهم أننا – كما ذكرنا في المقال السابق –  لن نفرط في أمننا الفكري أبدا و سنبذل الغالي و الثمين من أجل أن تظل بلاد الحرمين الشريفين تنعم بالأمن الفكري إلي أن يشاء الله تعالي .  





                                                                         
                                                                                                              


                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق